صلاة الجماعة
مرة أخرى: “الشجاعة تفتح القلعة من الخارج، والنذالة تفتحها من الداخل”
من الممل أن نظل نردد: “الخيانة ليست وجهة نظر”. لأنها فعلاً ليست وجهة نظر. أنا سوري والعدو واضح، إسرائيل. ذلك لأن إسرائيل دولة احتلال. وتجب مقاومتها، واسترداد ما أخذته بالقوة العسكرية، يتم بأية وسيلة كانت من الحرب (وهي لاتنتصر) إلى المبادرة العربية (وهي لا تنتصر) أيضاً.والانبطاحات ( وهي بالتأكيد لاتنتصر ابداً)
إذا لم أقاومها كفرد، يجب احترام فكرة مقاومتها، والاشتباك معها وإجبارها، في نهاية المطاف، على التسليم بحقوق الفلسطينيين القانعين ب 20% من أرض آبائهم وأجدادهم. وبحقوق السوريين واللبنانيين…
إن كمال اللبواني، الذي اشتهر بخطواته الراديكالية في السياسة والتذمر، والمزاج، بذهابه إلى إسرائيل... لا يقدم لأي قضية أي شيء. فهو ليس شخصية اعتبارية عظمى، ولا يترك وراءه في المساء جيشاً، ليفيق صباحاً ووراءه جيوش. وإذا كان جزءاً من المعارضة فهو يقدمها كنموذج لحاضن عدداً من الرجال المحتملين كمسافرين إلى إسرائيل. وإذا كانت إسرائيل تستحق هكذا مبادرة، فلم تكن كذلك بالأمس القريب، حيث لم تكن سوى عدو. ولم يتغير شيء سوى هذا المسرح المريب، والخطير، الذي نصبته الحرب في الجولان المحتل. حيث يسعى اللبواني إلى تحريره من القبضة السورية، وليس من الحذاء الإسرائيلي.
إن كمال اللبواني… مثل كل المتطرفين من الطرفين: السلطة والمعارضة يدوسون الدعسة الفارغة، في وقت الهاوية وجغرافيتها… حيث يسقطون دون جدوى أمام كاميرا أو بغرف معتمة. ويذهبون إلى النسيان والإهمال.
فليس هناك من صالح عدواً، من موقع التنازل والتذلل والنفاق والحسابات الخطأ… إلا وانتهى مع انتهاء الدور الذي تقرره موازين الحال والقوة. انتهك نواة الثمرة المأكولة. ولكن اللبواني… وقبله فريد الغادري ، بخطوته هذه شجع على استباحة اللغة في كتابة نص صحيح. وأسس لفكرة أن يذهب الضغفاء فرادى، تمهيداً لذهابنا جماعات.
كما أنه أشاع مناخ إعادة النظر بتعريف الأشياء وتحديد ماهيتها وخامتها. إن مناقشة القصة الفلسطينية تصبح شرعية ـ بهذا المناخ الاستباحي ـ مناقشتها، وتحليل ما لم يكن قابلاً للشك في الحقوق والواجبات. ومناقشة الأهلية الإسرائيلية كمؤسسة مبدعة لشرعية ما حدث، بوصفه إبداعاً، ومن ثم التنازل والتبادل، والتساهل، على اعتبار أن جزءاً من الصراعات هو مغشوش قليلاً. وعلى اعتبار أن كل شيء قابل للنقاش. يصبح كل شيء قابل للمساومة…
الشاعر العراقي أحمد مطر، كتب، يوم زيارة السادات إلى إسرائيل، نبوءته السوداء التي وصفت لحظة الحاضر…والمتوقع… لكن السادات كان يطبخ الملوخية قبل الوليمة بوقت طويل:
اسمعوني قبل أن تفقدوني يا جماعة.
أنا صادق.
أبي لم يك حزباً.
وأمي لم تكن، يوماً، إذاعة:
العبد…(يقصد السادات) صلّى في القدس فرداً
والجماعة… سيصلّون جماعه!
هذا ما حدث فعلاً. لأن المبادرة العربية بالإجماع هي تطبيع علاقات فوري، وليس صلحاً مع إسرائيل فقط.
أما كمال اللبواني فمن المستبعد أن تكون مبادرته بنت لحظتها وإنما هي مفكر بها منذ وقت طويل. إن خفة التصريحات غير المسؤولة تدل على خفايا الخطى المقبلة. فلقد نقل عنه، منذ زمن طويل آراء تدل على استخفافه بالعلاقة مع إسرائيل نكاية بنظام الأسد. والسؤال:
هل كمال اللبواني يعتقد أن كل مثقفي الوطن العربي، ككل قادته، ككل معارضته، ككل شيء…باطل وقبض ريح في هذه البلاد التي تتحطم تحت سنابك طغاة التجربة والخطأ، في العبث بالأوطان وتدمير الأوطان؟
أحد أصدقاء اللبواني يكتب على الفيس بوك ما معناه: لا تنظروا إلى اللبواني كعميل لإسرائيل، بل كشخص متطرف ومندفع، ونزق، ويحب المبادرات.
حسناً…
أنا شخصياً لا أميل إلى عشوائية الوصف، وإلى التهم المتطايرة، ولكن الوقائع أقسى من الكلمات القنّاصة. وكلمة “عميل” ليست دقيقة في إطلاقها، على الرغم من امتلائها بوسخ جنائي. ولكننا في الحقيقة نتحدث عما هو أكثر فداحة وشراسة وإيلاماً…
طبعاً لا بد، هذه الأيام، من الهزء بكل أنواع القوانين في مستنقع هذا المسرح الدموي…القوانين والأخلاق، ومنظومة الغناء الوطني…
كل شيء جائز، هذا أسوأ كل شيء!