في الآونة الأخيرة؛ لم تحمل مفكّرتي أكثرَ من بضع أفكار مبعثرة لم تستطع أن ترقى لأن يزورها الإلهام الكتابيُّ الذي يتملّكني عادةً، إنّهُ يجعلني أكفّ عن الردّ على مناداة من حولي ريثما ينتهي قلمي من تأديةِ حقّ زيارته الكريمة تلك، وإفراغِ ما امتلأَ به رأسي حتى آخر حرفٍ فيه.
وبعد ذلك الانقطاع الوجيز شعرتُ البارحة بأنني أريدُ أن أقولَ شيئاً ما، وبأنّ هناك صوتاً قريباً كثيراً يناديني ويدفعني إلى أن أقف لحظةً لأستلَّ قلمي من جديد وأكتبَ بضعة سطور على شرفه.
إنّ ذلك الصوت الذي ناداني بكل ما تحملهُ حروفه الثلاثةُ من معانٍ بليغةٍ سامية كان “صوتَ العيد”؛ ذلك الصوتُ الرخيم الذي نشتاقهُ وننتظرهُ ونتهيّأُ لاستقباله.
ومَن غيرُهُ من صوتٍ يستطيعُ أن يُجدِّد أفكارنا ومشاعرنا كما يفعلُ مع أيامنا وشهورنا؟!
مَن غيرُه يجعل صدورنا تفيضُ بالدّعوات؟!
مَن غيره يجمعُنا على طيّبِ القولِ والفعل؟!
مَن غيره يُذكِّرنا بأنّنا مخلوقون في هذه الحياة لكي نتشارك شؤونها، لا لكي يعيش كلٌّ منّا بمفرده وينفردَ بشؤونه؟!
نعم إنّ العيد وحده من يستطيعُ فعل كلّ ذلك؛ بكلّ ما ارتأتهُ الحكمةُ الربّانيّة من وراء صناعتهِ ووجوده.
إنّ العيدَ يوقظنا من رتابة الأيام العاديّة، يجعلنا ننهضُ من أسرّتنا بأفئدةٍ متجدّدة تتجهّزُ لارتداء الفرح، ذلك الرداء الملوّن الذي حاكهُ لنا صانعُ الأعيادِ الأعظم بكل ما في يديه المعطاءتين من رحمةٍ وحبٍّ وَسِعا كلَّ شيء.
يقولُ لنا: كونوا كما لو أنكم تولدون من جديد، جدّدوا أرواحكم دون وجل، أعيدوا قلوبكم إلى نقائها الأوّل، وألسنتكم إلى كلماتها الأولى، واخلعوا عن أنفسكم أثواب الضغينة والغضب والاستئثار، وضحّوا بكل ما هو عزيز عليها دون أن تتمسّكوا بأيّ شيء على هذه الأرض ما دمتم تعلمون بأنّ صانع الأعياد لا يريدُ من أياديكم أكثر من أن تكون على اتساعها.
ويكملُ العيدُ بأعلى صوته:
أيّها البشر العاقلون.. افتحوا أياديكم على اتّساعها إذاً.. طهّروا قلوبكم.. ارتدوا فرحكم.. هلّلوا.. كبّروا.. والأهمّ من كل ذلك؛ ابحثوا عن المعاني في كلّ ما تفعلون.
بوابة الشرق الأوسط الجديدة