أحوال الدنيا

ضمير الثقافة ووفاء مبدعين

د. فؤاد شربجي

في افتتاح مهرجان كان السينمائي. الأسبوع الماضي برزت عدة أحداث عبرت عن عمق السينما وضميرها الثقافي الإنساني الذي يحاول المهرجان أن يرعاه. من أهم هذه الأحداث قيام عشرات النجوم والمشاهير في عالم السينما بالتجمهر والاحتشاد تأييدا لغزة والفلسطينيين ، وتنديدا بالمجزرة الإسرائيلية المستمرة منذ أكثر من عام ونصف العام ضد أهل غزة.

حمل النجوم في احتجاجهم العلم الفلسطيني، وبعضهم طبعه على كفه ليرفعها معلنا تأييده. وبعضهم جعله جزءا من لباسه. تعددت الأساليب المعبرة ‏واجتمعت الكلمة على إدانة الجرائم الإسرائيلية والمجازر الصهيونية المستمرة في غزة والضفة. فعلاً كان للافتتاح مهرجان كان صوت مؤيد للحق الفلسطيني الإنساني والحضاري والسياسي. وهذا عمق ضمير الثقافة الإنسانية الباهر.
في ‏اليوم الأول للمهرجان جرى حدثان مهمان. الأول تكريم الفنان العالمي (روبرتو دي نيرو). والثاني تكريم عبقري الكوميديا العالمية ‏شارلي شابلن بمناسبة مرور 100 عام على فيلمه (حمى الدهب). وكل حدث منهما يحمل معناه الثقافي الهام والمعبر عن عمق ضمير السينما الثقافي الإبداعي والإنساني.
‏في تكريم دي نيرو (81 سنة) على مجمل أعماله أصر النجم العالمي ليوناردو دي كابريو أن يقوم بتقديم هذا التكريم. وأوضح في كلمته كيف يرى خصائص فن وشخصية دي نيرو ‏الساعي دائما لتقديم قضايا الإنسان ‏والعدالة والحرية عبر فن جميل ومؤثر. واهم ما جاء في كلمة دي كابريو أن (دي نيرو هو من اكتشفه، وهو من قدمه للسينما ودعمه في مسيرته المهنية) لذلك ‏يقف اليوم في تكريمه ليقدم بعض الشكر والامتنان لما قدمه له دي نيرو من مساعدة غيرت مجرى حياته. وإذا كانت أعمال دي نيرو تستحق التكريم فإن وفاء دي كابريو يستحق الثناء والتقدير. بالفعل هو وفاء مبدع تجاه ضمير إنساني ابداعي كـ(روبيرتو دي نيرو) الذي لم يفوت فرصة التكريم دون أن يعلن موقفه السياسي. حيث قال (إنني اتشرف بهذا التكريم واهديه لبلدي أمريكا التي عادت لتبحث عن الديمقراطية بعدما كانت تعيشها بشكل بديهي). بالفعل ‏هو ضمير ثقافي تجاه قضايا الإنسان وهموم بلده. وهو وفاء مبدعين لبعضهم البعض. ولقضاياهم ولأوطانهم وللإنسانية. هذا هو ضمير الثقافة، وهذه هي السينما المبدعة الجميلة المؤثرة بحق.

‏أما تكريم شارلي شابلن بمناسبة مئوية فيلمه (حمى ذهب)، فهو تعبير عن خلود هذا الفن وعن استمرار معاصرته للأحداث الإنسانية الراهنة. فهل من تعبير عن حالة عالمنا اليوم أكثر من حمى ذهب. حيث بطل الفيلم أثناء بحثه عن الذهب في أمريكا يتعرض لعاصفة ثلجيه فيقع في كوخ جبلي هش، ويعلق مع باحث آخر عن الذهب، لكنه مجرم وقاتل وسارق. من جهة العاصفة المميتة تحيط بهما ومن جهة أخرى المجرم القاتل. ولا ذهب ولا أمل بالذهب. فكان المهرجان يكرم شابلن عبر فيلمه هذا ليدين الحروب التجارية التي باتت عامل التعامل المتحكم في العلاقات بين الدول والشعوب والأفراد. فهل من ضمير ثقافي معبر عن هموم الإنسان أكثر من ذلك؟! وهل من قضية أهم من فخ أو وهم البحث عن الذهب. الذي يجعل إنسان العصر واقعا في عاصفة مميتة. ومأسورا بمواجهة قتله مجرمين واضحين أو مستترين. فعلا بعض الفن خالد بتعبيره عن الضمير الثقافي الإنساني وبوفائه للإبداع الجميل والمؤثر.

افتتاح مهرجان كان تزامن مع زيارة الرئيس ترامب إلى المنطقة العربية. وهي الزيارة التي حفلت بصفقات تريليونية وبمشاريع ذات وقع مذهل. ربما هذا ما حجب الاهتمام عن افتتاح مهرجان كان ومعانيه. أو ربما هذا ما أوضح الكثير من ملامح ضمير الثقافة ووفاء المبدعين.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى