طالما يُؤكّد بومبيو أنّ إيران خلف الهُجوم على النّاقلات في ميناء الفجيرة وأنّه يملك الأدلّة فلماذا لا يكشِفها؟
تعدّدت الروايات التي تُقدّم تفسيرات لتوجّه الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب وإدارته نحو التّهدئة في الأزَمَة مع إيران، فهُناك من يقول إنّ المُذكّرة التي رفعها إليه عشرات الجِنرالات المُتقاعدين يُحذّرونه فيها من النتائج العسكريّة والاقتصاديّة المُكلفة لمصالح أمريكا وحُلفائها في المِنطقة، ويُطالبونه بتجنّب الحرب، وهُناك رأيٌ ثانٍ يُؤكّد أنّ إيران قوّة إقليميّة عُظمى ستمتص الضّربات الأُولى وترد بردٍّ مُوجع ضد القوّات الأمريكيّة، ومن غير المُستبعد أن يكون لديها أسلحة ما زالت غير معروفة، وربّما تُشكّل مُفاجأةً، أمّا الرأي الثّالث فيرى أنّه طالما أن إمكانيّة الحِوار مُمكنة، ووجود أكثر من قناة مُستعدّة لاستضافته علنًا أو سرًّا، فلماذا الذّهاب إلى الحرب؟
لا نعرِف ما إذا كانت هذه التّهدئة مُؤقّتة لإفساح المجال للقِمم العربيّة الثّلاث التي عقدتها المملكة العربيّة السعوديّة في مدينة مكّة المكرّمة، وعدم الإقدام على أيّ أعمال تصعيديّة حتّى انتهاء شهر رمضان المبارك وعُطلة عيد الفطر، أم أنّه سيتم تمديدها لأطول فترةٍ مُمكنةٍ تتخلّلها مُفاوضات سلام؟
مصادر خليجيّة كشفت لنا أنّ الولايات المتحدة هي التي أوعزت إلى إيران عبر جهة ثالثة لإطلاق مُبادرة للحِوار العربيّ الإيرانيّ التي حملها عباس عراقجي، نائب وزير الخارجيّة الإيراني، إلى عددٍ من الدول الخليجيّة التي زارها، وشمِلت الكويت وسلطنة عُمان وقطر، لتأتي بالتّوازي مع حوارٍ أمريكيٍّ إيرانيٍّ ربّما انطلق سرًّا، ولتجنّب غضب الحُلفاء الخليجيين خاصّةً في المملكة العربيّة السعوديّة والإمارات الذي بلغ ذروته بعد الكشف عن مُفاوضات سريّة أمريكيّة إيرانيّة في مسقط أثناء إدارة الرئيس باراك أوباما، واستمرّت ستّة أشهر.
اللّافت أن الإدارة الامريكيّة الحاليّة تُعطي إشارات مُتناقضة في هذا المِلف طِوال الأيّام القليلة الماضية، فبينما يتحدّث الرئيس ترامب عن احتمالات الحوار ويُشيد بالقِيادة الإيرانيّة، ويُؤكّد أنّه لا يُريد تغييرها، يُكرّر كُل من مايك بومبيو، وزير خارجيّته، وجون بولتون، مُستشاره الأمن القومي، أنّ هُناك قناعة شبه مُؤكّدة بأنّ حُلفاء إيران هم الذين نفّذوا الهُجوم على النّاقلات الأربع أمام ساحل ميناء الفُجيرة الإماراتي، ويملِكون أدلّةً دامغةً في هذا الصّدد.
السّؤال المُحيّر هو عن مصداقيّة الرواية الأمريكيّة الجديدة التي تتحدّث عن وقوف حُلفاء لإيران خلف هذا الاعتداء، فمن هُم هؤلاء؟ هل هُم جماعة “أنصار الله” الحوثيّة اليمنيّة؟ أم “حزب الله” اللبناني، أم قوات الحشد الشعبي العراقيّة؟ ولماذا لا تكون وحدة ضفادع بشريّة إيرانيّة هي التي نفّذت الهُجوم؟ أو حتى طرف ثالث يُريد توفير الذّرائع لأمريكا لتوجيه ضربات جويّة ضِد إيران كالموساد الإسرائيلي مثلًا؟
أما السّؤال المُحيّر الآخر فيُمكن استخلاصه من تصريحات بولتون التي أدلى بها ، وقال فيها إنّه لن يُعلن نتائج التّحقيقات المُتعلّقة بالهُجوم على النّاقلات التي شارك فيها خُبراء أمريكيين، وسيترك الأمر لدولة الإمارات العربيّة المتحدة التي وقع هذا الهُجوم في مِياهها الإقليميّة.. فلماذا يُلقي المُستشار بولتون بالكُرة إلى الملعب الإماراتي؟ وحتّى متى ستنتظر هذه النّتائج؟
لا نعتقد أن إيران تقبل بالتّفاوض مع أمريكا لأنّها في موقِف ضعف، مثلما يُؤكّد الرئيس ترامب في أحد تغريداته، صحيح أنّ العُقوبات الاقتصاديّة تُعطي أُوكُلها من حيث زيادة مُعاناة الشعب الإيرانيّ تحت الحِصار، وصحيح أيضًا أن صادرات النفط الإيرانيّة انخفضت إلى 400 ألف برميل يوميًّا بعد أن كانت مليون و400 ألف برميل يوميًّا، بعد وقف الصين والهند وتركيا عن شراء احتياجاتها من النّفط الإيراني تجنّبًا للعُقوبات الأمريكيّة، لكنّ الصّحيح أيضًا أنّ هذا الانخفاض ربّما يكون مُؤقّتًا، ويُمكن تعويضه بإعطاء تخفيضات في الأسعار تُغري جهات عديدة يُمكن أن تشتري كميّات كبيرة وتُهرّبها إلى مُشترين كُثر، فإذا كان هؤلاء المُهرّبون يسوقون ما قيمته ثلاثة ملايين دولار يوميًّا من نفط “داعش” عبر سماسرة في كردستان العراق وتركيا، فلا نعتقد أنّ هؤلاء سيعجزون عن تهريب نفط دولة مثل إيران لها حدود بريّة وبحريّة مع حواليّ ثماني دول، كما أنّه من غير المُستغرب أن تتراجع الصين والهند وتركيا عن قرارها بوقف استيراد النفط من إيران في المُستقبل المنظور، وتغيّر الظّروف التي دفعتها للمُقاطعة.
نتحفّظ كثيرًا في إطلاق أيّ آراء جازمة حول مآلات الأزَمَة الإيرانيّة الأمريكيّة سِلمًا أو حربًا، لأنّ الطرف الإيراني يصِر على شروطه بضرورة رفع الحصار كُلِّيًّا، واستثناء الصواريخ الباليستيّة من أيّ مُفاوضات باعتبارها الضّمانة الأهم لردع أيّ هُجوم، بينما يُريد ترامب استسلامًا كامِلًا والتخلّي بشكلٍ نهائيٍّ عن هذه الصّواريخ والطّموحات النوويّة العسكريّة بالتّالي.
أيّ سُوء تقدير في الحِسابات قد يُشعل فتيل الحرب، ولا نعتقد أنّ العاهل السعودي عندما يدعو لعقد القمم الثّلاث في مكّة وحشد العرب والمسلمين ضد إيران لا يقدم على هذه الخُطوة لولا وجود معلومات لدى حُكومته من الحليف الأمريكي بوجود خُطط هُجوميّة أمريكيّة مُوازية يُمكن تفعيلها في أيّ لحظة، والشّيء نفسه يُقال عن عشرات الجِنرالات الأمريكان المُتقاعدين الذين حذّروا من الحَرب أيضًا.
الصّورة ربّما تكون أكثر وضوحًا، سِلمًا أو حربًا، بعد عُطلة أعياد الفِطر المُبارك.. وما عَلينا إلا الانتظار.. واللُه أعلم.
صحيفة رأي اليوم الالكترونية