طوفان الأقصى.. لا يَغيض: المقاومون صامدون في «الغلاف»… والعدو يواصل تخبّطه
طوفان الأقصى… اقتحام بري وبحري وجوي للمستوطنات الإسرائيلية في «غلاف غزة»، إطلاق أكثر من خمسة آلاف صاروخ نحو الأراضي المحتلة، عجز لـ«القبة الحديدية»، والحصيلة المعلنة – حتى الآن – أسر جنود إسرائيليين، مقتل 150 إسرائيلي على ألاقل وإصابة أكثر من ألف إسرائيلي، وغنائم من الأسلحة والآليات العسكرية. هي المفاجأة التي لم تتخيّل قيادة العدو أن تُخرجها المقاومة الفلسطينية في غزة، على الأقلّ في هذا التوقيت، بعدما ظنّت أن اعتداءاتها على المسجد الأقصى والأسرى ستمرّ مرور الكرام في سياق مباحثات الوسطاء مع المقاومة.
إلا أن ما ظُنّ أنه «حلّ» سرعان ما تَحوّل إلى «كابوس صباحي»، استفاق الإسرائيليون عليه، بعدما استغلّته المقاومة، التي كانت لها كلمتها المدوّية وصوتها الموحّد، والتي شكّلت عمليتها صدمة أخرى للاحتلال – غير تلك الزمنية – في تحقيقها قفزات نوعية والاتجاه نحو تثبيت معادلات ردع جديدة.
هكذا، رسمت المقاومة الفلسطينية انتصاراً جديداً سيمثّل منعطفاً حاسماً في مسار المواجهة مع العدو، الذي يدرك تماماً خطورته، وسيعمل بطبيعة الحال على الحدّ من تداعياته الاستراتيجية عليه. حتى الساعة، يظهر سلوك قوات الاحتلال ارتباكاً كبيراً من جرّاء هول الصدمة، وجزء منه يعود إلى اعتناء القيادة الإسرائيلية باتّقاء خسائر إضافية. وهو ما أجبر قوات أمن الاحتلال على التفاوض مع مقاتلين فلسطينيين يحتجزون رهائن في مستوطنة «أوفاكيم»، في ظلّ إقرار عسكري إسرائيلي بأن «استعادة السيطرة على المستوطنات» قد تتطلّب «ساعات طويلة».
وفيما تتواصل حالة النفير العام التي أعلنتها المقاومة الفلسطينية، وسط إطلاق متواصل للصواريخ نحو «عسقلان» ومستوطنة «أريئيل» شمال الضفة المحتلة، والقدس المحتلة و«تل أبيب»، حيث دوّت صافرات الإنذار، لا يزال المقاومون يسيطرون على 14 مستوطنة. وبالتوازي مع ذلك، أعلن المتحدث العسكري باسم «سرايا القدس»، «أبو حمزة»، وجود «العديد من الجنود الصهاينة الأسرى بين أيدينا»، مؤكداً أنّ «سرايا القدس» والمقاومة تسجّل اليوم «فصلاً جديداً من فصول الانتصار، وكسر هيبة كيان العدو وجيشه المهزوم». كما أعلنت «القناة 13» العبرية أن «خلية لحماس تسللت مجدداً إلى مستوطنة سديروت». وفي ظل التخبّط الحاصل على المستوى الإسرائيلي، لن يكون بمقدور قيادة العدو إحصاء عدد أسراها، لا سيّما وأن المفقودين كثر، فمنهم من فرّ، ومنهم من قتل، ومنهم من أُسِر، بينما آخرون اختبأوا في حاويات القمامة وفق ما وثّقته عدسات الكاميرات.
وفي سبيل استعادة السيطرة التي يتوخّاها الاحتلال، أعلنت حالة «الطوارئ»، وطلب أكبر عدد من المتطوعين العسكريين، وأمر بفتح الملاجئ. كما كثّف الجيش الإسرائيلي استهدافاته لغزة، وأعلن أنّ «سلاح الجو يستهدف عدداً من المسلحين الفلسطينيين، على طول السياج الحدودي مع قطاع غزة»، فيما استهدفت إحدى هذه الغارات مبنىً سكنياً في «حي النصر». وحتى لو استطاع الاحتلال إعادة سيطرته بعد «ساعات طويلة» وفق زعمه، فهو لن يكون قادراً على لملمة خساراته، المادية والمعنوية، ولو حاول كلّ ما باستطاعته لتدفيع المقاومة أثماناً كبيرة لما كرّسته من معادلة. ومن هنا، لم يعُد مهمّاً متى ستنتهي المعركة، إذ إن الأكيد أن المزاج الفلسطيني انتقل من مكان إلى آخر و«الطوفان» بدأ.
وفي ضوء ذلك، لم تسلك التطورات المسار الذي كان يتمناه ويسعى إليه رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لتضاف هذه الخيبة إلى خيباته الأخرى. إذ بدلاً من إعلان «التهدئة» التي كانت حكومته تحاول التوصل إليها، لاسيما في سياق تجنّبها كل ما تراه معكّراً لـ«صفو» السيناريو المشغول عليه أميركياً نحو إنجاز اتفاق التطبيع مع السعودية، دعا نتنياهو الإسرائيليين إلى «الصبر»، وأعلن أن قوات الاحتلال «تحاول تطهير غلاف غزة»، مضيفاً أن «إسرائيل ستعزز أمن الحدود، لردع الآخرين عن ارتكاب خطأ الانضمام إلى هذه الحرب».
وفي المقابل، تتوالى خطابات قادة المقاومة، محذّرة العدو من احتمال انسحاب المواجهة على جبهات ومحاور إضافية، يخشاها العدو هي الأخرى، لا سيمّا في ظل عدم تمكّنه من تحمّل جبهة غزة وحدها، وانشغاله بمحاولة «تأمين» الحدود من أي اقتحامات إضافية بدلاً من شنّ هجمات. وفي السياق، فإن نتنياهو نفسه، وقادة المؤسسة الأمنية، يعلمون أن سيل الاتهامات سيتوجّه إليهما، بينما يواجه الاحتلال للمرّة الأولى وضعاً غير مسبوق على الحدود مع غزة. والجدير ذكره، هنا، أن عمليات التسلل البرية التي نفذّها مقاومو «القسام» جاءت بعد وقت قصير من خروج تقديرات أمنية إسرائيلية عن أن «حماس» حاولت اختبار فعالية الموانع الهندسية والبنى التحتية للوسائل الدفاعية التي نشرها الجيش على الحدود، فضلاً عن فحص نظام ردّ الجيش، خلال الفعاليات الحدودية مع غزة. ومن هنا، فإن عدم استجابة المؤسسة الأمنية لهذه «المخاطر»، رغم ورودها، من شأنه أن يزيد من الانقسامات على المستوى الإسرائيلي الداخلي.