عبد الله الخاني : الشاهد !!! (4)
الوزير والدبلوماسي عبد الله الخاني في الحلقة الرابعة من حوار مطوّل وحصري وخاص لـ «الوطن»: حرب تشرين علم بها الأميركان وأرادوها لإخراج الروس من مصر والمنطقة والسادات استجاب!
رشحه الرئيس حافظ الأسد ليكون أميناً عاماً لجامعة الدول العربية، لكن الأمانة ذهبت إلى الشاذلي القليبي، لم تكن أمانة الجامعة محط اهتمامه، لأنه كان على دراية بالوضع العربي، وهو لن يقدر أن يفعل شيئاً أمام الواقع المتردي… اختاره الرئيس حافظ الأسد موفداً إلى عدد من الرؤساء، فحمل رسائل للسادات وتيتو، فعرف اهتمام تيتو بقضايانا وحرصه واهتمامه… اطّلع على حقائق تتعلق بما يجري على الأرض من أحداث، وكان مؤمناً بسياسة بلده سورية الثابتة. من موقعه القانوني قرأ اتفاقية كامب ديفيد وفنّد بنودها الخطرة… اختاره الرئيس الأسد لتعزيز العلاقات مع الهند سفيراً، ثم رشحه سيادته لمنصب قاض في محكمة العدل الدولية لتبدأ مرحلة جديدة في حياة الوزير الحقوقي والديبلوماسي عبد الله الخاني.
الخاني يرشح أميناً عاماً لجامعة الدول العربية؟
عندما وقّعت مصر الاتفاقية المذلة مع إسرائيل في كامب ديفيد اجتمع الرؤساء في بغداد وقاطعوا مصر وقرروا نقل أمانة جامعة الدول العربية إلى تونس، ولكنهم كانوا يريدون أميناً عاماً لجامعة الدول العربية غير تابع في جنسيته إلى تلك الدولة، لأن الجامعة العربية كانت دائماً في مصر والأمين العام مصري، وكان رأى الرئيس حافظ الأسد ووزير الخارجية أن عبد اللـه الخاني هو الشخص المناسب، وعندما سألوا عني قال لهم وزير الخارجية هذا الرجل من جماعة شكري القوتلي وليس بعثياً، ومن ثمَّ وقع الخيار عليّ، وعندما أخبروني أنا كنت سفيراً في الهند، ولم أكن سعيداً بالقرار لأنني لم أحب أن أكون أميناً عاماً في جامعة الدول العربية، فأضطر أن أوفق ما لا يوفق وأجمع ما لا يُجمع وأراعي ما لا يُراعى، وعندما انتقلت الأمانة العامة إلى تونس، كان الرئيس التونسي بورقيبة يريد أن يعين الشاذلي القليبي أميناً عاماً، فأرسل وزير الصحة إلى دمشق، والذي قابل الرئيس حافظ الأسد وأخبره برغبة الرئيس بورقيبة، فأجابه الرئيس حافظ بعدم التمسك بترشيح عبد اللـه الخاني أميناً للجامعة العربية وبأن رغبة بورقيبة أهم، وطبعاً أنا كنت سعيداً جداً بهذا القرار ولم أنزعج من أنهم سحبوا العرض مني.
ماذا عن الأجواء التي سبقت كامب ديفيد وتبعت حرب 1973 وحقيقة مواقف السادات؟
عندما كنت عضواً في المحكمة الدولية للتحكيم لغرفة التجارة الدولية في باريس، وحين كنت في صالة الفندق أنتظر صديقاً وقعت بيدي نسخة من جريدة «لوفيغارو» الفرنسية، لفتت نظري صورة لشارون فيها، ومقابلة بينه وبين مندوب الجريدة، سأل فيها مندوب الجريدة شارون عن سياسته المقبلة، إذا أصبح رئيساً لوزراء إسرائيل، إذ كان حينئذٍ رئيساً لحزب الليكود في الكنيست سأله عن سياسته الاقتصادية والاجتماعية والعلاقات مع الدول الغربية والشرقية، ثم سأله عن علاقاته المستقبلية مع الدول العربية المجاورة فأجاب: «ليس لدي مشكلة مع الدول العربية فالملك حسين هو عميلنا، وأما أنور السادات فهو صديقي إذ كان اتصل بي بعد أن تركت وزارة الزراعة في الحكومة السابقة، ورجاني أن أنظم له الري في مزرعته، فقمت بذلك ونظمت له مزرعته والري فيها فكان مسروراً جداً، وجمع أصدقاءه ووزراءه وقال لهم: «الآن عندنا الأرض، وعندنا الماء، وعندنا شارون فإلى العمل».
قرأت بعدها بمدة مقالاً في جريدة الحياة اللبنانية لوزير الزراعة المصري يقول الوزير المصري: «اتصل بي الرئيس أنور السادات بأحد الأيام وقال: سيمر عليك قريباً شارون فأعطه قطعة أرض في أسوان لاستصلاحها، قلت للرئيس: نحن ما زلنا في حالة حرب مع إسرائيل فكيف أعطيه قطعة أرض من أرضنا»؟ قال السادات: «إنني لا آخذ رأيك بل آمرك» يقول الوزير المصري عدت مكبوتاً لا أدري ما أفعل، وفي اليوم التالي اتصلت بالسادات: «إن الأرض التي تحدثتم عنها قريبة من سد أسوان الكبير، ونخشى إن فعل شارون فيها شيئاً قد يؤثر على مياه السد» قال السادات: «إذاً فأعطه قطعة من الأرض في الغرب» بعد يومين جاءني شارون يطلب الأرض، قلت له: «إنني آسف فالرئيس عندما وعدك بتلك الأرض لم يكن يدري أن الشركة المصرية لاستصلاح الأراضي تقوم ومنذ مدة بالعمل فيها لاستصلاحها، وعندما عرضت الموضوع على الرئيس أمر أن أعطيك قطعة من الأرض في غرب القاهرة، قال شارون لا آخذ إلا تلك الأرض في الجنوب وخرج من عندي كالثور المسعور».
هذا يفسر لماذا لم يسمح السادات بسد الثغرة التي أحدثها الجيش الإسرائيلي في الدفرسوار في حرب تشرين 1973، ومنها دخل الجيش الإسرائيلي وأحاط بالجيش الثالث المصري وكان تعداده أكثر من 100 ألف جندي، وقطع عنه الماء والغذاء والدواء فاستسلم، وصرح بعض قادة الجيش المصري أننا دخلنا حرب تحريك وليس حرب تحرير، فوقف الجيش المصري بعد أن أعطى أعظم مَثَلٍ في ركوب قناة السويس واحتلال المرتفعات الإسرائيلية، توقف عن الحرب فنقلت إسرائيل قواتها من الغرب من الجبهة المصرية إلى الجبهة السورية.
إذاً، كانت الحرب تحريكية؟
نعم وقالوا إن الحرب هي للتحريك وليس للتحرير، وكان الأميركيون يريدون من خلالها إخراج الروس من مصر. يقول كيسنجر وزير الخارجية الأميركية الأسبق في مذكراته: «إننا كنا نعلم مسبقاً بحرب تشرين، إلا أننا لم نخبر بها إسرائيل وإلا اضطررنا أن ندخل الحرب إلى جانبها، وكنا نهدف إلى إخراج الروس من مصر وتجاوب السادات معنا».
الإيفاد لعبد اللـه الخاني إلى الرؤساء؟
عندما كنت وزيراً للسياحة ووزيراً للخارجية بالوكالة أثناء غياب الوزير الأصيل في الأمم المتحدة كنت أنتظر أن يتصل بي الرئيس حافظ الأسد في كل وقت، لذا كنت عندما أنام أضع الهاتف إلى جانبي، وإلى جانبه دفتر أوراق وقلم، في الساعة الثانية بعد منتصف الليل في إحدى الليالي اتصل بي الرئيس حافظ الأسد وطلب مني السفر إلى مصر لمقابلة السادات وإبلاغه الرسالة التالية: «إننا كما دخلنا الحرب معاً ندخل السلم معاً، لأن ذلك أقوى له في مباحثاته مع كيسنجر الذي سيأتي إليه اليوم»، فقال إذا رفض قل له «أن يفاوض عن سورية ومصر»، فقلت «إلى أي مجال يفاوض عن سورية؟»، فقال «تنسحب إسرائيل من جميع الأراضي التي احتلتها عام 1967»، «وإذا رفضت إسرائيل؟»، فقال «يتم الانسحاب الإسرائيلي من الحدود مقابل الانسحاب السوري من الحدود نفسها وبنفس المساحة وبنفس المسافة»، وفي مصر عندهم خبر بقدومي وتم ابلاغ السفارة السورية في القاهرة التي أبلغت بدورها وزارة السياحة المصرية، فاستغربوا من قدومي كوزير للسياحة، وخاصة أننا في حالة حرب، فجاؤوا كي يستقبلوني مع السفير السوري وشكرتهم، وذهبت بسيارة الوفد إلى السفارة السورية، واتصلنا بكبير الأمناء في القصر الذي كان سفير مصر في لندن في الوقت نفسه الذي أنا كنت فيه أنا أيضاً قائماً بأعمال سفارتنا في لندن وأصبحنا أصدقاء، وباتصالي به قلت له إنني أريد مقابلة الرئيس فوراً، فقال لي سأرد لك خبراً ولم يفعل، وانتظرت عدة ساعات، وكان كيسنجر سيأتي بعد الظهر، وعليّ أن أقابل أنور السادات قبل وصوله، لكنّ كبير الأمناء لم يعاود الاتصال بي، فذهبت إليه وقال لي «أنا أخبرت الرئيس وقال إنه بعد أن يرى كيسنجر سيرسل موفداً من عنده لعند الرئيس حافظ الأسد كي يخبره بما حدث»، ولم يشأ أن يستقبلني، فعدت في اليوم التالي وذهبت إلى الرئيس حافظ الأسد وأخبرته بما حصل فانزعج خاصة أن أنور السادات لم يرسل أحداً.
أرسلك الرئيس الأسد إلى تيتو؟
تيتو الذي كان حريصاً على البروتوكول جداً ولا يستقبل أحداً إلا بعد فترة، وبعد أن يعلم بما يريد قبل الزيارة، ومع ذلك بمجرد وصولي بلغراد استقبلني، وكان الاستقبال حاراً، وقال لي «كيف أنور السادات لا يسمح للشاذلي بأن يسد الثغرة التي قام بها؟»، فقلت له ليس لدي جواب وخصوصاً أن الشاذلي كان بلا شك بطلاً، وما أثار إعجابي بأن تيتو كان متابعاً للحرب من على طاولة في مكتبه، وكانت عليه خريطة المنطقة وكان يتابع الحرب يوماً بيوم، استوضح عن حرب الدبابات سألني: «لماذا لم تستعملوا طائرات الميغ 23؟» قلت له ليس لي علم بأن لدينا طائرات كهذه، وكان يعلم عن جميع الطائرات لدينا، لأنها كانت تأتي إلينا من الاتحاد السوفييتي فتعبر أجواءه، لهذا هو على علم بهذه الطائرات وبكل ما لدينا من طائرات وبأنواعها، كما سألني عن الدبابات وعن بعض الأمور العسكرية والتي أنا غير عالم بها، ولكنني أجبت عما أنا عالم به، وكان محمد حسن الزيات الذي أصبح وزير الخارجية المصري وصل قبلي إلى بلغراد للقاء تيتو، ولكن تيتو لم يستقبله، واتصل بي الزيات يسألني عن مقابلتي لتيتو، ولما لم يستقبله تيتو تظاهر بالمرض، وطلب مني أن أذهب إليه، وبالفعل ذهبت وقال لي «لا أعرف كيف استقبلك تيتو فهو لم يستقبلني لأنني مريض حتى بعد أربع وعشرين ساعة»، ولكن في الحقيقة لم يستقبله لأنه كان غاضباً من أنور السادات.
الرئيس حافظ الأسد آخر الرؤساء الذين عملت معهم ماذا عن هذه المرحلة؟
هو آخر رئيس عملت معه قبل التقاعد وكنت أميناً عاماً لوزارة الخارجية، وكان وزير الخارجية أغلب وقته في الخارج، وعندما كانت تعرض علينا قضايا كان الرئيس حافظ الأسد يسألني عنها، وفي مرة وعندما كان وزير الخارجية في الأمم المتحدة، طلب نائب كسينجر وكان اسمه جوزيف سيسكو مقابلة وزير الخارجية، كانت العلاقات بيننا وبين أميركا مقطوعة، أرسل وزير الخارجية برقية بهذا الخصوص فحولتها للرئيس حافظ الأسد، فسألني «ما موضوع اتصال سيسكو»؟ قلت له «تسعى أميركا إلى الاتصال بنا، وقد سبق في العام الماضي أن اتصل سيسكو برئيس الوفد السوري سليم اليافي وطلب منه ذلك، إلا أن نور الدين الأتاسي رئيس الدولة آنذاك رفض مقابلته. وبالعودة إلى الحديث بيني وبين الرئيس حافظ الأسد سألني عن رأيي أجبته بأن الأمر عائد له، ولكنه أصرّ علي بالسؤال، فقلت له «أنا أرى بأن نحسّن علاقاتنا مع كل الدول»، فقال لي «أرسل برقية لوزير الخارجية وقل له لا مانع من الاتصال»، ومن هنا بدأت العلاقات تتحسن بيننا وبين أميركا.
ما قصة رئيس لجنة الشؤون المالية والسفير الأميركي في زيارة السادات ولقائه الرئيس حافظ الأسد بالمطار؟
كان أنور السادات يشعر دوماً بعقدة النقص من جمال عبد الناصر، وكان يريد أن يقوم بعمل عظيم يتفوق فيه على جمال عبد الناصر، فخطر بباله أن يذهب إلى القدس ويلقي خطبة في الكنيست يدعو فيها إلى السلام، وذلك ليكون بطل السلام في المنطقة بعد أن قرر الذهاب أراد أن يحصل على موافقة الرئيس حافظ الأسد فجاء يعرض عليه رغبته هذه، والتقاه الرئيس في المطار، في هذه الأثناء حضر إلى دمشق رئيس لجنة المالية في الكونغرس الأميركي، ونائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية، وكانا يريدان لقاء الرئيس حافظ الأسد، فلم يقابلهما لوجوده مع أنور السادات فحولهما إليَّ سألني نائب رئيس اللجنة: هل أنتم موافقون على سفر أنور السادات إلى القدس، وإلقاء خطاب في الكنيست قلت: لا، قال: المعلومات التي لدينا تقول: إنكم موافقون، قلت له: نحن لا يمكن أن نكون موافقين، فهذه سياستنا، ولا زلنا في حالة حرب مع إسرائيل، فقال: بل لدينا معلومات أكيدة أنكم موافقون، فقلت له: من أين لكم هذه الثقة؟ قال: كنا البارحة في مصر وقابلنا أنور السادات فأكد لنا أنكم موافقون على خطوته، قلت له: إذا حدث ما تفضلتم به فيعني ذلك أنني لست على علم بسياسة بلدنا، وإذا سألتم عني غداً سيجيبونكم بأنني استقلت من منصبي وانتهت المقابلة! وبتّ أنتظر البيان الذي سيصدر عقب لقاء الرئيسين، وفي الساعة الثانية والربع بعد الظهر في نشرة الأخبار أذاعت الإذاعة السورية البيان بصوت الرئيس حافظ الأسد «إنني شديد الألم أنني لم أتمكن من أن أثني أخي الرئيس أنور السادات عن عزمه بالسفر إلى القدس وإلقاء خطاب في الكنيست.» ما أثلج صدري.
تركت السياحة وعدت للخارجية؟
كان في وزارة الخارجية موظف واحد وكان حصل على وظيفة مندوب الأمم المتحدة في إفريقية وعندما قال له وزير الخارجية بوقتها لا يمكنه ذلك لأنه لا يوجد غيره في الوزارة فاقترح اسمي كي أحل محله، وكنت بوقتها مستقيلاً من وزارة الخارجية، فتمّ صدور مرسوم بإعادتي.
ما تعليقك على الاتفاقية الإسرائيلية في المادة الخامسة؟
هذا موضوع خطير جداً، عندما كان التفاوض بين أنور السادات وبيغن وبرئاسة كارتر، وكنت ذكرت كيف كان السادات يتمسك برأيه عندما يصطدم بنقطة صعبة، وفي البداية طلب من وزير الخارجية إسماعيل فهمي أن يرافقه إلى كامب ديفيد فرفض فجاء بمحمد كامل وعندما اعترض على بعض ما ورد في المفاوضات أَنَّبه وقال له: إنني أمضيت نصف عمري في السجن فصرفه، وأحضر محمد رياض وكذلك الأمر رفض فصرفه، ثم جاء بطرس غالي والذي كان يسيّر السادات كيفما يريد، وكانت تضمنت المعاهدة مادة خامسة بأن هذه المعاهدة تسمو على ما سواها من المعاهدات ما عدا المعاهدة مع الأمم المتحدة، وعندما سأل النواب أنور السادات عن موافقته عليها وكيف سيكون الأمر مع الدول العربية وغيرها من الدول؟ قال هذه المعاهدة ليست لها قيمة، في نفس الوقت رد عليه موشي دايان قال «إذا كان السادات لا يحترم توقيعه نحن نحترم توقيعنا على المعاهدة»، بمعنى أنه إذا وقعت حرب بيننا وبين سورية فلا يجوز لمصر أن تتدخل في هذه الحرب، وهذه نقطة خطيرة جداً لأنها أخرجت مصر من كل معاهداتها باستثناء الأمم المتحدة.
متى بدأت محطة عبد اللـه الخاني في العمل في محكمة العدل الدولية هل بدأت بعد الاستقالة والتقاعد أم في مرحلة قبل؟
محكمة العدل الدولية معروف عنها أنها أعلى محكمة في العالم، ولا يمكن أن يصل إليها إنسان إلا إذا كان على مستوى عال من الأخلاق والعلم والنزاهة، وما كنت أطمح إليها، لأنني كنت أرى مستواي أقل بكثير من أن أصل إليها، ولاسيما أن العلامة الكبير فارس الخوري كان ترشح إليها ولم ينجح ليس لعدم كفاءته ولكن للظروف، ورغم أنه كان أجدر واحد بهذا المنصب، ولحسن الحظ نحن بحاجة إليه كرئيس للنواب ورئيس للوزراء، وبذلك كسبته سورية وخسرته المحكمة الدولية، وبعد وزارة السياحة وبعد عودتي إلى الخارجية، كنت سفيراً في الهند، في عام 1976 استقلت من وزارة السياحة وكنت أريد أن أستقيل قبلاً، وذلك لأننا كنا عملنا مشروعاً لتوسيع لفندق الشيراتون بحيث يكون أضخم فندق في المنطقة، وبدأت الشركة بالتوسيع، وكانت تكاليفه محدودة لأن شركة شيراتون تكفلت بكل النفقات، على أن يجري تقسيط هذه النفقات على مدة سنوات العقد الطويلة، وحصلنا على الفندق بتوسيعه بلا نقود، ولكن تم عرض الموضوع على القيادة فاتصل بي في الليل رئيس الوزراء محمود أيوبي وسألني عن التوسيع فأخبرته بأنه يسير وفق الخطة الموضوعة، فطلب مني أن أوقف الخطة، فاستفسرت عن السبب، فطلب مني أن أقابله في الصباح، وفي الصباح ذهبت إليه، وعندما التقيته قال لي إن القيادة اتخذت قراراً بإلغاء هذا التوسع، فاستغربت وخصوصاً أن الإضافة تعطي مساحة إضافية للفندق وبنفس الوقت جميلة جداً، وكنت عرضتها على الرئيس حافظ وهنأني عليها.
فعدت إلى وزارة الخارجية عام 1978 حتى 1979، وأرادوا أن يرسلوني سفيراً لباريس، فقلت لوزير الخارجية أنا لا أريد الذهاب إليها لأن راتبي لا يكفيني فيها يومين وفيها جهد كبير، فسألني أين أريد الذهاب فأخبرته برغبتي في السفر إلى مدريد وبأنني أفضل وأحب إسبانيا، اجتمعت القيادة وقالوا له «عبد اللـه سيذهب إلى باريس»، فقال لهم «لا هو يحب الذهاب إلى مدريد»، فقالوا له «إذاً أنت تريد أن ترسل من جماعتك شخصاً إلى باريس»، فرد الوزير «اذهبوا واسألوه هو مصر على الذهاب إلى مدريد»، ثم رفعوا مرسوماً بتعييني في مدريد ورُفع المرسوم إلى الرئيس حافظ الأسد، في هذه الأثناء وصل من الهند جورج مانديس وزير الاقتصاد الهندي، وعقد مع الحكومة السورية عدداً من الاتفاقيات الاقتصادية في كل المجالات، ولكن للأسف أن هذه الاتفاقيات لم تنفذ، عندما وصل المرسوم للرئيس حافظ الأسد نظر فيه وقال «لماذا مدريد.. نحن لدينا اتفاقيات في الهند وضروري أن يذهب شخص إلى الهند كي ينفذها»، وبالتالي شطب مدريد وبدلاً منها وضع الهند وذهبت إلى الهند، في البداية كنت غير مرتاح من هذا المرسوم لأنني لم أرغب في الذهاب إليها، وعندي فكرة سيئة عن الهند وحياتها. في الهند أتى صلاح الطرزي هو وزوجته حيث كان مدعواً من قاض هندي وهو قاض في محكمة العدل الدولية وكان الطرزي أيضاً قاضياً في محكمة العدل الدولية، وكان صديقاً لي وقمنا بالاهتمام به جيداً، بعد مدة سمعت بأن صلاح الطرزي توفي، إذ صدمه «الترام» وهو يجتاز خطه دون أن ينتبه فأصبح منصب القاضي في محكمة العدل الدولية شاغراً، وتقدم إلى هذا المنصب تسعة قضاة من آسيا، فكل قارة من القارات لها ثلاثة قضاة، الرئيس حافظ الأسد رشحني ولم أعتقد في يوم من الأيام أن أكون قاضياً في محكمة العدل الدولية.
كنت سفيراً في الهند حين رشحك الرئيس حافظ الأسد؟
كنت سفيراً في الهند، وهو وحده من رشحني، لأنه عندما علم الاتحاد السوفياتي بوفاة صلاح الطرزي خشوا أن يأتي قاض يميني، وكان صلاح الطرزي يسارياً فاتصلوا بوزارة الخارجية السورية، وقالوا لم يبق إلا أيام قليلة للترشيح ويُخشى أن يذهب الكرسي في المحكمة إلى شخص آخر.
إلى أي مدى تدخلت الدولة كي تنجح؟
لم تقصر الدولة، ووزير الخارجية أرسل رسائل إلى وزارات الخارجية العربية كي تقوم بدعمي، وناصر قدور الذي كان معاوناً لوزير الخارجية اجتمع مع السفراء الأجانب الموجودين في سورية كي يتم دعمي.
صحيفة الوطن السورية