عصر الوزراء العائدين إلى بيوتهم !!

سيء الحظ هو من يكلّف صديقه بمنصب كبير، فالناس يحسدونه، والأقلرب يطمعون بحل مشاكلهم من خلاله، والأصدقاء ينظرون إليه بالريبة لعله أصبح “زلمة” السيد الوزير!

وقد أبعد الله عني هذا السوء، ليس لأن أحدا من أصدقائي لم يصل إلى موقع المسؤولية، ولا لأني قدّمت للناس خدمات أنستهم العوامل الأخرى، بل لأني كنت أتمنى الخير لهم وأنأى بنفسي عن صديقي الذي أصبح وزيرا وأنا ادعو له بالتوفيق والنجاح في عمله.

انتبهت إلى مسألة هامة في سلوكي مع هذا النوع من الأصدقاء، وهي أنني أعود لصداقتي معهم عندما تُكف أياديهم عن المهمات التي أوكلت إليهم، فأقف إلى جانب الصديق لكي لايحبط أو يشعر بدمار يحيط به من كل حدب وصوب .. وفي هذه العودة كنت أشعر بالمفاجأة، نعم المفاجأة بأن سيادته (السيد الوزيرالعائد إلى بيته) يقع في داء “النق” وكأنه هو الصحيح والآخرون على خطأ !

في الآونة الأخيرة اتسعت الظاهرة في سورية، وهذا يعني بالضرورة أن علاقاتي اتسعت مع هذا النوع من الناس، وصرت أسمع ماهب ودب من الاحتجاجات والفضائح والمشاكل والاتهامات، ولم يكن من الصعب الاستنتاج أن عمليات الاختيار التي أوصلت البعض إلى هذه المواقع كانت متسرعة .. وشيئا فشيئا شعرت أني صرت حكيما في قضية المسؤولين العائدين إلى بيوتهم، والحكمة التي نشأت عندي مردها إلى شخصية ” بدري أبو كلبشة” الدرامية، فبعد أن سُرّح أحد رؤساء المخافر، وكان قريبا مني، ضعفت سلطته في البيت، وصارت زوجته تسعى لطرده كل صباح وتكسير جوانح العنف التي كانت عنده .. وأذكر أن هذه الزوجة ، أخبرتني بما يجري مع زوجها :

ــ صار متل بدري أبو كلبشة .. ليل نهار يحكي لي عن دهائه في القبض على المجرمين.. ملّ كل من في البيت منه !

هكذا حصل مع وزيرين أعرفهما . الأول استغرقته أفلام العربي القديمة وصار مغرما بالفنان محمد سعد بطل فيلم اللمبي ، والثاني صار يجلس في المقهى لأن زوجته لم تعد تطيق بقاءه في البيت ، وفي المقهى لم يجد صاحبا له !

ماذا أفعل لأكون ناصحا لهؤلاء ؟

قلت لأحدهم : اكتب مذكراتك !

ارتفع صوت ضحكه عاليا ، ثم سألني :

ــ أكتب مذكراتي ؟ هل أنت جاد ؟!

فقلت له : نعم أنا جاد !

تلاشى الضحك من وجهه . صار عبوس الوجه .

شرد طويلا ، ثم نظر إليّ بعمق وقال :

ــ هل تريدني أن أعترف وأقدم وثيقة بأني فاشل ؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى