‘عطور الجزائر’ .. تحولات ومفارقات (سعد علي)
سعد علي
ترصد كريمة تحولات منها فرض حجاب صارم على ابنة أخيها التي لم تتجاوز الخامسة واقتحام متشددين للمنازل.
يكشف الفيلم الجزائري (عطور الجزائر) عن تحولات ومفارقات عبر خمسين عاما تفصل بين تحرير البلاد من الاستعمار الفرنسي عام 1962 وتشدد ديني يهدف إلى "تحرير البلاد من أعداء الله" كما يقول بطل الفيلم المتشدد لأخته العائدة من باريس لكي تبحث عن مخرج له.
والعودة بالنسبة لبطلة الفيلم – التي هجرت بلادها منذ عشرين عاما وأقامت في باريس وتزوجت – كانت استدعاء لعطور الجزائر التي لم تعد عطورا وإنما رائحة بارود قتل أبرياء في جحيم غادرته قبل عشرين عاما ونسيت هذا الماضي حتى إنها "حذفت اللغة العربية" من ذاكرتها إلا أن هذا الماضي ظل يلاحقها.
والفيلم الذي تبلغ مدته 108 دقائق يشارك في مسابقة الأفلام الروائية بمهرجان أبوظبي السينمائي السادس وعرض مساء الأربعاء بحضور بعض أبطاله ومنهم شافية بودراع ومخرجه رشيد بن حاج.
يبدأ الفيلم بحصول بطلته كريمة (الممثلة الإيطالية مونيكا جريتوري) على جائزة التصوير الفوتوغرافي وخلال حفل تكريمها تتلقى اتصالا من أمها (شافية بودراع) ترجوها أن تعود حيث اعتقل أخوها وسوف يواجه عقوبة الإعدام بعد تورطه في أعمال قتل للأبرياء مع زملائه المتشددين.
وتستدعي كريمة طفولتها مع أخيها الذي كان خجولا والقسوة المفرطة من أبيهما الذي تكره الآن زيارته في المستشفى. ولكنها لا تتردد في مساعدة أخيها وتتوسل الحصول على إذن بزيارته في معتقل ناء. ولكن لقاء الأخوين كان فاترا.
فهي تشدد على أنها نسيت الماضي "وحذفت اللغة العربية… (أريد) معرفة من قتل من؟" وهو يرى أن "بلاد الكفار (فرنسا) أفسدتك.. لست أخاك" ويذكرها بأحلامها القديمة عن "تغيير العالم" في مظاهرات شاركت فيها ضد "الإمبريالية الأميركية" مضيفا أن هذا ما يسعى إليه ورفض التوقيع على وثيقة يتخلى بمقتضاها عن العنف مقابل الإفراج عنه.
وتقول كريمة إن هذا ليس أخاها الذي تعرفه ولكنه شخص آخر وقبل أن تغادر باب الزنزانة تستدير إليه وتقرأ بصوت عال الآية القرآنية "فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا. فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون" وتذكره أنها لم تنس القرآن.
وترصد كريمة تحولات منها فرض حجاب صارم على ابنة أخيها التي لم تتجاوز الخامسة واقتحام متشددين للمنازل ولكنها لا تبالي وترفض المشاركة في مظاهرة تزمع على تنظيمها النساء المطالبات بحقهن في الحرية وتنصح قريبتها الشابة (سامية) بمغادرة البلاد ولكن الفتاة التي تنتمي إلى جيل جديد ترفض الفكرة إذ سيلاحقها الماضي وتكشف عن ساقها التي ألقى عليها متشدد ماء النار لأنها ارتدت تنورة قصيرة وتقول إن "الميليشيات" تستهدف غير المحجبات.
وفي الزيارة الأخيرة لمراد تصطحب كريمة زوجة أخيها وابنته الرضيعة وتواجه أخاها بأنه وقع الوثيقة ليس توبة عن الجرائم واقتناعا بالتخلي عن العنف وإنما لكي يلتحق بالمتشددين في الجبال فيقول لها بفخر إنه يسعى "لتحرير البلاد من أعداء الله".
وفي طريق العودة يوقفهم مسلحون فرحين بالصيد ويهتف كبيرهم مشيرا إلى كريمة "نصرانية كافرة" فتبكي زوجة أخيها المحجبة وتتوسل إلى "الأمير" أن يتركها فهي مسلمة وتعرف أنه (كمال) جارهم وتذكره بأنه أكل في بيتهم وأنها زوجة (مراد) فيسمح لهما بالمرور عبر طريق جبلي ويحصد الرصاص قائد السيارة وركابها وتصيب إحدى الطلقات زوجة أخيها من الخلف فتموت.
وينتهي الفيلم بمظاهرة النساء ولم تتردد كريمة أن تشارك فيها حاملة ابنة أخيها كما وثقتها بالكاميرا والنساء ينادين بحقوق المرأة ويهتفن "الجزائر حرة.. ديمقراطية".
ومهرجان أبوظبي الذي يختتم الجمعة القادم ينظم احتفالا خاصا بمناسبة مرور 50 عاما على استقلال الجزائر يشمل ندوة (السينما الجزائرية.. الأمس واليوم والغد) إضافة إلى عرض أفلام منها (باب الواد سيتي) لمرزاق علواش و(عطلة المفتش طاهر) و(حراقة بلوز) لموسى حداد و(الأفيون والعصا) لأحمد راشدي و(وقائع سنوات الجمر) الذي نال عنه مخرجه الجزائري محمد لخضر حامينا السعفة الذهبية من مهرجان كان عام 1975 و(معركة الجزائر) للإيطالي جيلو بونتيكورفو.
ميدل ايست أونلاين