في الأسبوع الماضي أنشغل العالم بتصريح بايدن وهو يأكل الأيس كريم حول الوصول إلى اتفاق على هدنة في رمضان. وقبل أن يذوب الأيس كريم في فمه تبين انه تصريح تفاؤلي تسويقي ترويجي انتخابي لا أساس له في الواقع. وأول من أنكره نتنياهو، لذلك علينا الابتعاد عن تصريحات الأيس كريم والتركيز على الحقيقي في عقيدة بايدن، خاصة وأنه في عمق كل ما يجري في غزة يكمن مستقبل المنطقة. وهذا يرتب علينا فهم السياسة الأمريكية بشكل أعمق، و الإمساك بجوهر عقيدة بايدن للمنطقة. ماذا تعني؟؟ وما هي احتمالاتها؟؟
منذ بداية الحرب على غزة توضحت عقيدة بايدن تجاه المنطقة بعدة أمور: أولها وقوف أمريكا مع إسرائيل ضد المقاومة بحجة الدفاع عن النفس، و تزويدها بكل ما يلزمها في حربها ضد غزة وفلسطين. وثانيها عدم توسيع الحرب وحصرها في غزة وفلسطين. ثالثها إعادة طرح (حل الدولتين) لمستقبل إسرائيل في الأمن والاستقرار. رابعها إنجاز التطبيع العربي الإسرائيلي كأساس للإستقرار المطلوب في المنطقة. هذه الامور التي تشكل عقيدة بايدن تحمل أيضا معاني مستقبل المنطقة كما تريدها واشنطن.
أهم جانب من جوانب صورة مستقبل المنطقة، وهو إنهاء القضية الفلسطينية بالقضاء على المقاومة وبحل الدولتين. بالنسبة للمقاومة فإن بايدن أعلن صراحة انه لن (نقبل بوجود المقاومة في مستقبل غزة والضفة). وبالنسبة لحزب الله ومنذ اللحظة الأولى أعلنت إسرائيل وأيدها بايدن، أن الخطر القادم من جنوب لبنان يجب أنهاؤه. وبعد إنهاء المقاومة تسعى واشنطن لضمان عدم ولادة مقاومة من جديد بجعل الدولة الفلسطينية (منزوعة السلاح). يأتي بعد ذلك التطبيع مع العرب بدءً من السعودية ليمد المشروع الصهيوني يديه إلى كل مجالات الاقتصاد والاستثمار و الإعلام و و و و ألخ. أظن أن صورة ومعنى مستقبل المنطقة واضح. بهذا الشكل هو ليس إلا مستقبل أمريكي صهيوني، الا إذا استطاع العرب استثمار وتثمير قوتهم وتأثيرهم لاكتساب ما يضمن استمرار عروبة المنطقة، وحقوق شعوبها، ودولها، ولو بالحد الأدنى.
هل ستنجح عقيدة بايدن بإعادة صياغة المنطقة وكيف ؟؟ هناك طريق واضحة وتتسق مع حقائق التجربة التاريخية للمنطقة. هذه الطريق تقوم على إعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه الوطنية بإقامة دولة كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية. وهذا ما سيؤسس لاستقرار المنطقة، خاصة إذا فك الحصار الاقتصادي والسياسي عن سوريا ولبنان، وترك لشعبيهما إعادة الأعمار و تدوير عجلة الإنتاج و استعادة الدور الثقافي الفكري الحضاري في المنطقة ضمن مفهوم وآلية للعروبة الحضارية الجامعة، لكل العرب، في كل الدول العربية.
الإعتراف بحقيقة العروبة كروح للأمة والتعامل معها بإحترام لحقوق شعوبها الوطنية والقوميه هو الطريق لاستقرار المنطقة. كما أن تمسك العرب، شعوباً وحكاماً ومجتمعات ودول و تمسكهم بعروبتهم، والعمل لإنعاش وأحياء دورها، هو وسيلتهم الوحيدة للحفاظ على استمرارهم في المنطقة كقوة حضارية فاعلة ومؤثرة في الإقليم والعالم.
فهل يستطيع العرب دفع بايدن والعالم لاحترام حقوقهم بدأ من غزة وفلسطين.؟؟ أم أنهم سيتركون التفاوض مع أميركا لتنفرد بنتائجه إيران؟؟ و هل ينسقون مع طهران في تفاوضهم مع واشنطن؟؟ و كم سيكون للعروبة على طاولة التفاوض مع الفرب الأميركي؟؟ أم سنترك البيت الأبيض ليكون المرجع و المقرر؟؟ وهل سنترك بايدن يستمر بالتعامل مع حقوقنا وكأنها أيس كريم تذوب في فمه خلال لحظات؟؟؟ …. مستقبل الأمة على المحك !!!
بوابة الشرق الأوسط الجديدة