على شاهـدة القـبر
يسألونني أحيانا و قد أوغلت في السن : هل قلت ما كنت تريد أن تقوله ؟ فأجيب شفاها: لكم أتمنى لو أن ما سأقوله الأن أن يحفر على شاهدة قبري و لكن هيهات …و ها هو جوابي على سؤالكم ..
أول ما أشعر به هو أن الكلمات تعوزني كما يعوزني الوقت . و لماذا لا أعترف أن الجرأة تعوزني أيضا لأن بعض ما لم أقله سيودي بي إلى الموت و إن قلته …
أردت أن أقول كل شيء عن الصخور و الرمال و الشوارع و الأزقة و الحقول و الرعاة .. و عن البرد و عن الحر ، و عن أثمار الفصول في كليهما ..
أردت أن أصادق الجماهير و اجتهد في الكتابة عنها و الإحتفاظ بصداقتها .. و أن أصف لو أستطعت كل فرد منها على حدة …
أردت أن أصافح الأيدي العاملة ، و الحيوان الضائع ... و لقد فعلت حين أمكن للعدالة أن تنتصب قامتها ، و أن لا تكون السعادة و طيدة الأركان..
و لكم تمنيت و فعلت أن أفهم سرور الطفل و كيف يفرح بدميته أو طابته كما يصنع حين يرى الطقس جميلا..
و لكم كتبت وتحدثت عن الحب و تعلاّته و عن مأساته الثقيلة كقضبان الحديد ، وعن ملهاته الخفيفة كأعواد القش.
و لكم بحثت عن الصلة التي تربط الحصاد بسماد الأرض ما يرتبط الجمال بالخير، وفظافظة الإستبداد بأكوام النفايات و أسرار السموم ..
و لكم حشدت من الكلمات كي أصفّي الحقد الذي ينمو في الغضب الكبير و أن أدل على الضحية و هي تسحق الجلادين.
كنت دوما أحارب العادات التافهة و التقاليد البالية و كدت مرارا أعلن عن هزيمتي ضدها بعد أن سلحها الجهلة بقداسة هم الذين لفقوها …
كنت مؤمنا دوما بخالق كامل القدرة و الأوصاف كان يحلولي الحديث عنه و التفكير في عظمته الخارقة و كيف أنه لا يشبه مخلوقاته و كيف يمكن الإقتراب منه …
كنت فيما أكتبه أحيانا أبدو كمن يداعب الكرمة التي تمتص عناقيدها ضياء الشمس و أن أتحدث عن كل هذا مستخدما كلمات زارع الكرمة ، و أنا لم أكن يوما من زرّاع الكروم ، غير أن أوراقي و أقلامي كانت تنجدني في وصف العناقيد الضخمة يقطفها هواة القراءة وكأنهم يلامسونها بالأصابع أو الشفاه.
أردت أن أتحدث عن كل شيء … و لشد ما أخشاه أن حديثي لم يستطع أن يقول إلا بعض هذه الأشياء…