عمـالة الاطفـال في زمـن الحـرب

سوريا التي تعاني منذ بداية الأزمة تدهورا إقتصاديا و إنسانيا كبيرين لم تستطع بعد لئُم هذا الجرح أو إيقافه. فارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة شكلا عائقاً كبيراً و سداً منيعاً أمام الشعب للوقوف من جديد ومتابعته للحياة، فعلى الرغم من إنخفاض وتيرة المعارك العسكرية في معظم المناطق والمحافظات لم تتوقف معركة الإستمرار بالحياة للعودة كما كانت في السابق.

المعركة الآن هي معركة تأمين لقمة العيش، لكن جنون ارتفاع الأسعار وانخفاض القيمة الشرائية صعّب هذا الأمر جدا ووقف دون تحقيق ذلك ، مما اضطر الاطفال للنزول إلى سوق العمل جنبا إلى جنب مع الكبار لمساعدة ذويهم بتامين لقمة عيشهم ، والسبب يكون إما لضعف دخل الأسرة، أو فقدان معيلهم بوفاة أو بمرض أقعده المنزل غير قادر على العمل، فأصبح هذا الطفل هو المسؤول عن إعالة أسرته وترك مقاعد الدراسة للعمل تحت ظروف وشروط مجحفة بحقه ، فالنزاعات و الأزمات الإنسانية التي تعاني سوريا منها دفعت أعداد متزايدة من الأطفال ليقعوا فريسة للاستغلال بأعمال أغلبها متعبة وشاقة عليهم، تسبب لهم الأمراض و مشاكل قد ترافقهم مدى الحياة فهي لا تتلائم مع بنية أجسادهم الصغيرة والضعيفة.

وكان لهذا كله الأثر السلبي عليهم وعلى نفسيتهم، فأغلبهم تخلى مُجبرًا عن مُستقبله الدراسي و تحقيق حلمه بدراسة إختصاص يحبه، و عن حقه في العيش بالتساوي مع جميع أطفال العالم وبالتالي فقد تحملوا مسؤوليات تفوق طاقتهم مقابل العمل لتأمين لقمة عيشهم.

إن قانون العمل رقم “17” الصادر في سوريا عام 2010 قد أفرد فصل خاصا لعمل الأحداث وحاول أن يضمن لهم بعض حقوقهم وواجبات أصحاب العمل تجاههم، وقد حدد القانون آلية عملهم و ساعاتها ضمن ستة ساعات فقط بينما ساعات عمل البالغين تتراوح بين الثماني و التسع ساعات. ودائما ما حاولت القوانين الوضعية، إن كانت لدى المنظمات الدولية أو داخل الدولة، أن تحمي الأطفال وقد أفردت لهم، في قوانينها، فصولاً تتضمن ذلك. إلا أن نتيجة الحرب العبثية التي نعاني منها حالت دون تطبيق هذه القوانين، لذا و لمثل هذه الحالات تتضافر أعمال الحكومة والمنظمات الأهلية والأحزاب من أجل إنشاء مؤسسات وجمعيات ترعى الأسر المحتاجة، والتي لا معيل لها سوى هذا الطفل حتى يستطيع متابعة دراسته بنجاح. وقد لجأت وزارة التربية السورية بالتعاون مع اليونسيف لإنشاء صفوف تعليمية تكميلية للأطفال المنقطعين عن دراستهم ليستطيعوا اللحاق بزملائهم الذين سبقوهم و إكمال علمهم دون أية مشاكل، وهذه الخطوة هي من الخطوات الإيجابية التي قد تعوضهم عن الذي فاتهم لكن نجاحها مرتبط باستجابة الأهالي لهذه المبادرة.
‏‏
تترك الحروب و الكوارث دائماً آثارها السيئة على نفوس الأطفال بالدرجة الأولى ، ففي خضم الحروب والاقتتالات الدموية عادة ما يُجبر الأطفال على عيش تجارب تعد الأسوأ في جميع المعايير، وعلى المجتمع مساعدتهم لتخطيها ليكونوا أشخاصاً فاعلين بالمستقبل و ليستطيعوا أن يقودوا البلاد نحو الإزدهار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى