عن سنوات حكم أردوغان (2002- 2015)

يرمي الكاتب إلى سبر أغوار المسارات التي مرّت بها تركيا منذ وصول زعيم حزب العدالة والتنمية، رجب طيب أردوغان، إلى الحكومة عام 2002 ومن ثم الرئاسة عام 2014، وحتى عام 2015، والتي عكست صورة جديدة لها على الساحتين الداخلية والدولية.

يرصد الكتاب الصادر بالتركية بعنوان “سنوات رجب طيب أردوغان” أهم التغيّرات التي حدثت إبان سنوات حكم رئيس الوزراء التركي السابق ورئيس الجمهورية الحالي وزعيم حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، رجب طيب أردوغان، منذ عام 2002 حتى عام 2014.

وتنبع أهمية الكتاب، الذي يرتكز في طرحه إلى المنهج الوصفي السردي التحليلي، من رصده لأهم التغيّرات التي قلبت صورة تركيا على الصعيدين الداخلي والخارجي، حيث باتت تركيا دولة بوجهٍ أقرب إلى الدولة التي تسعى لتكون دولة إقليمية خارجياً، ودولة أقرب إلى النهج المحافظ، أو ما يُطلق عليه أحياناً “الإسلام السياسي”، داخلياَ. وانطلاقاً من ذلك، أضحت هناك أهمية عالية في التعرف على النقاط الأساسية التي حولت تركيا من دولة فاعلة في المنطقة، ودولة حُصرت فيها السيطرة العسكرية واتسع نطاق الهيمنة المدنية. وفي ضوء ذلك، يطرح الكاتب سؤالاً رئيساً فحواه؛ “ما هي النقاط المحورية التي حدثت خلال حكم سنوات رجب طيب أردوغان، وغيّرت صورة تركيا على أصعدة عدة؟”.،

المحور الأول للكتاب يسرد السيرة الذاتية الموجزة لرجب طيب أردوغان، ويبدأ بالإشارة إلى أن أردوغان وُلد في 26 شباط/فبراير من عام 1954، في حي قاسم باشا في إسطنبول. وُلد أردوغان في عائلة تتألف من أربعة أفراد، بينهم فتاة. يحمل أردوغان، اسم جده “طيب”، وسُمي رجب نسبةً إلى ميلاده في شهر رجب. وبينما كان والده يعمل قبطاناً بحرياً، كانت والدته ربة بيت.

درس أردوغان الابتدائية والإعدادية والثانوية في إسطنبول، وعمل خلال فترة دراسته في بيع المياه والحلوى، لمساعدة عائلته في مصاريف الحياة. بدأ دراسته للاقتصاد في جامعة مرمرة عام 1977، وتخرج منها عام 1981.

في عام 1973، وأثناء دراسته المرحلة الإعدادية، دخل معترك الحياة السياسية من خلال الالتحاق باتحاد الطلبة الأتراك القومي “ذي الخلفية الإسلامية المحافظة”. وعند بلوغه سن الـ18، انضم إلى حزب السلامة القومي الذي أسسه نجم الدين أربكان، وكان فاعلاً في الحركة الطلابية الشبابية للحزب. وفيما حصل على عرض من منتخب حي قاسم باشا ليصبح لاعباً لكرة القدم، حيث كان حلمه، عارضه والده في ذلك، مبيناً له أن المسيرة العلمية أفضل وأكثر ضماناً للمستقبل من كرة القدم.

ويخصص الكاتب المحور الثاني للحديث عن الخصال الشخصية لأردوغان، مستهلاً إياه بالإشارة إلى أنه يؤمن بضرورة استغلال الكفاءة، مهما كان توجّه صاحبها، في تحقيق الهدف المطلوب، ملمحاً بذلك إلى تمتعه بصفة “البراغماتية” التي تعني اتباع تحالف الضروريات من أجل تحقيق الهدف. ويضيف أنه شخص محافظ متعلق بعائلته وعادات وتقاليد وسلوكيات المجتمع الشرقي المسلم، وهذا ما يعكس تصرفه في بعض السلوكيات السياسية، إذ أظهر، ولا يزال، تقاربه من الشرق على حساب الغرب بشكل جلّي. ويأتي ذلك في إطار التأثير السلوكي للشخصية على القرارات السياسية، وفقاً للكاتب.

وبحسب الكاتب الذي يشير إلى اعتماده على مقابلات شخصية مع أردوغان، وشهادات شخصيات قريبة منه، فإن أردوغان يتسم بالإصرار، أو أحياناً بالعناد، على فكرة معينة اقتنع فيها، وقد لا يحيد عنها دون تحويلها إلى حقيقة واقعية. كما يحب أردوغان الانضمام إلى المهرجانات الشعبية بشكلٍ ملحوظ.

وينتقل الكاتب في المحور الثالث للحديث عن السنوات الأولى “2002 ـ 2003” لوصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم، موضحاً أن تولي أردوغان، باسم حزب الرفاه، لرئاسة بلدية إسطنبول وهو في سن الأربعين، لعب دوراً أساسياً في ظفره بشعبية قوية، وفي تأسيسه لحزب العدالة والتنمية كحزب يميني مركزي يحتضن الجميع.

لمواجهة الأزمات السياسية والاقتصادية التي عصفت بتركيا، اقترح حزب الحركة القومية إجراء انتخابات مُبكرة، ووافق عليها مجلس النواب لتُجرى في 3 تشرين الثاني/نوفمبر 2002. وعلى الرغم من كونها الانتخابات التشريعية الأولى التي يدخلها حزب العدالة والتنمية، إلا أنه تصدرها بنسبة 34%، في مقابل 19% لصالح حزب الشعب الجمهوري. ولم تستطع الأحزاب الأخرى تخطي السقف الانتخابي في حينها.

لكن لم يستطع أردوغان دخول البرلمان، وتولي رئاسة الوزراء آنذاك، نظراً لأنه مُنع من تولّي مناصب سياسية في الدولة من قبل المحكمة الدستورية، نتيجة قراءته عام 1997، بصفته رئيس بلدية إسطنبول، شعراً وُصف بأنه تحدٍ لعلمانية الدولة. لذا تولى رئاسة الوزراء رفيق دربه، عبدالله غل. ولا يخفى على أحد أن جميع القرارات والتحركات كانت تسير بتنسيق مع أردوغان.

وكان أول إنجاز لحزب العدالة والتنمية، بعد تولّيه رئاسة الحكومة، وعلى الرغم من غياب أردوغان، تحضير “خطة التحرك العاجل” لسنة واحدة، والتي كانت ترمي إلى مراجعة اتفاقية الاقتراض المُبرمة مع صندوق النقد الدولي، وتطوير قطاع السياحة، وإجراء إصلاحات ضريبية، وتقديم مساعدات عاجلة للقطاع الخاص، وتشجيع الرقابة، وإنشاء شبكة طرق قوية. وفي هذه الخطة، السر الذي مكّن حزب العدالة والتنمية من البقاء في الحكم حتى يومنا هذا، حيث خاطب مطالب المواطن النفعية، وبنى لذاته وجوداً قوياً في نفوس المواطنين الأتراك.

وعقب انتهاء الحظر السياسي على أردوغان عام 2003، اتجه حزب العدالة والتنمية إلى دفع مروان غل، النائب عن مدينة سيرت التي لم تقبل نتائج انتخاباتها من قبل الهيئة العليا للانتخابات التي تلقت اعتراضاً من حزب العدالة والتنمية على عملية الفرز للأصوات في المدينة، لتقديم استقالته في 31 كانون الثاني/يناير 2003، ورشح أردوغان نفسه مرشحاً عن مدينة سيرت. وفي 9 آذار/مارس 2003، أُجريت الانتخابات من جديد في سيرت، وفاز أردوغان مع إثنين من مرشحي الحزب، لتبدأ بذلك سنوات حكم أردوغان فعلياً.

وفي المحور الرابع الذي يتحدث عن سنوات حكم أردوغان من عام 2003 وحتى عام 2014، يُشير الكاتب إلى أنه قبل تولي أردوغان لرئاسة الحكومة بفترة قصيرة، بدأت تحضيرات الولايات المتحدة الأميركية للحرب ضد العراق، وكان هذا أول اختبار حقيقي لأردوغان كزعيمٍ لحزب العدالة والتنمية.

بدأ اختبار أردوغان بمنح الولايات المتحدة تركيا، في 3 شباط/فبراير 2003، هبةً بقيمة ستة مليارات دولار، ومساعداتٍ مالية بفائدة مخفضة بقيمة 20 مليار دولار، في مقابل الدخول في مفاوضات لاستخدام الأراضي التركية. وكان أردوغان، وفقاً للكاتب، متحمساً جداً للمشاركة في الحرب على العراق، بغية استغلالها في القضاء على وجود حزب العمال الكردستاني في شمال العراق.

ويُضيف الكاتب أن أردوغان كان ينتظر موافقة البرلمان على المشاركة في الحرب، غير أنه صُدم برفضٍ قاطع من نواب حزب العدالة والتنمية، وهو ما دفعه إلى إجراء اجتماع موسع لنواب الحزب لإقناعهم بضرورة المشاركة في هذه الحرب، حيث استند إلى أن عدم مشاركة تركيا قد يؤدي إلى نشوء دولة كردية في شمال العراق، كما يمكن أن تفقد تركيا أحد أهم داعميها، الولايات المتحدة، في محادثات كلٍ من عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، وحل الأزمة القبرصية، بالإضافة إلى احتمال أن تسيطر العشائر الكردية على كركوك والموصل، فضلاً عن احتمال مواجهة تركيا موجات هجرة جماعية من المدن العراقية المحاذية لها.

وفيما منحت الولايات المتحدة تركيا مهلةً حتى 20 شباط/فبراير 2003، لاتخاذ القرار، أصدر البرلمان قراره في الأول من آذار/مارس، بالرفض. كانت عملية إصدار القرار بحاجة إلى 267 صوتاً، إلا أنه لم يوافق سوى 264 نائباً، وهذا ما حال دون تحقيق أردوغان رغبته. وسُجّلت بذلك أول “انتكاسة” لأردوغان في اختبارٍ حقيقي كان يمكن أن يحدث نتائج مغايرة لوضع العراق أو شمال العراق على الأقل. ولعل عدم وجود أردوغان على رأس الحكومة بشكل فعلي لعب دوراً في رسم هذه النتيجة، إذ تسلم أردوغان رئاسة الحكومة فعلياً في 14 آذار/مارس 2003.

وفي 1 أيار/مايو 2003، حدث زلزال في مدينة بينغول، وكان بمثابة الآفة الطبيعية الأولى التي تشكل تحدياً لحزب العدالة والتنمية، غير أن الحزب استطاع تفادي نتائجها في وقتٍ قصير، من خلال تسريع تحريك طواقم الإنقاذ.

وعقب الانتهاء من التحديات الداخلية، لا سيما الاقتصادية، والتحديات الخارجية، وبالخاصة فيما يتعلق بالأزمة العراقية، التفت أردوغان إلى مسألة الاتحاد الأوروبي، محاولاً التأكيد على هدف تركيا الحقيقي في الانضمام إلى الاتحاد. وبالتوازي مع ذلك، كان يعلم أردوغان بأن ملف الاتحاد الأوروبي لا يمكن أن يحرز تقدماً من دون التوصل إلى حل نهائي فيما يتعلق بأزمة قبرص.

وبينما كانت حكومة العدالة والتنمية تتحضر للتفاوض بجدية في هاتين المسألتين، ذكرت صحيفة “جمهورية” اليسارية المعارضة، في 24 أيار/مايو 2003، أن الجيش منزعج من حزب العدالة والتنمية. وكان الحدث بمثابة المحاولة التي ترمي إلى إحداث وقيعة بينه وبين الجيش. ورداً على ذلك، صرّح أردوغان بأن “هذه الأخبار كاذبة، وتهدف إلى إعاقة التقدم الحقوقي والاقتصادي الذي تسعى حكومتنا إلى تحقيقه”. وعليه، يعلق الكاتب مشيراً إلى أن تقارب حكومة حزب العدالة والتنمية من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لعب دوراً في دفع الجيش لتبني مواقف معتدلة مع حكومة حزب العدالة والتنمية، بالرغم من كونها حكومة محافظة أو بالأحرى إسلامية.

وحرك أردوغان ملف الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي عبر دفع نواب حزبه إلى عقد جلسات برلمانية دورية لمناقشة “ملفات المواءمة”، وتمكن الحزب خلال سبعة شهور من إصدار قوانين تواءم أربعة ملفات من الملفات المذكورة. وبموازاة ذلك، دفع نحو الاجتماع مع الأمين العام للأمم المتحدة حينذاك، كوفي أنان، في 13 شباط/فبراير 2004، وحتى 16 شباط/فبراير من ذات العام، من أجل التوصل إلى خطة حل نهائية. وفي 19 شباط/فبراير بدأ اجتماع الطرفين التركي واليوناني في قبرص برعاية الأمم المتحدة.

ونتيجة لفشل المشاورات في قبرص، انتقلت المحادثات إلى جنيف، وعُقدت في 24 آذار/مارس 2004، أول لقاء بين جميع الأطراف. على هامش المؤتمر، عرض أنان خطته للحل، والتي حملت اسم “خطة أنان 4”. واُشترط حينها أن تعرض الخطة على سكان قبرص الأتراك واليونان للتصويت. وقد عُرضت في 24 شباط/فبراير 2004. وفيما وافق الطرف التركي القبرصي على الخطة بنسبة 65%، رفض الطرف اليوناني القبرصي بنسبة 76%.

وبحسب الكاتب، بذلت تركيا جهوداً حثيثةً للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لكن الأخير لم يقابل تركيا بنفس الحماسة للعمل على تسوية جميع المسائل، وقبل انضمام بولندا والمجر وليتوانيا ولاتونيا وسلوفاكيا والتشيك وسلوفانيا ومالطا وقبرص، مما أدى إلى تصريح أردوغان بأن الاتحاد الأوروبي يماطل تركيا عمداً. وعلى الغالب، برأي المحرر، كان هذا التصريح إشارةً إلى توجه تركيا نحو الشرق، وهو ما بدا واضحاً من خلال رفع مستوى التعاون مع سوريا وإيران وبلاد المنطقة الأخرى.

وعلى صعيد اقتصادي، يذكر الكاتب بأن الاقتصاد التركي في نهاية عام 2004، بدأ يظهر نمواً ملموساً، حيث بلغ 9.4%، محققاً بذلك رقماً قياسياً منذ تأسيس الجمهورية التركية، ولعل مرد ذلك إلى حالة الاستقرار السياسي التي غمرت تركيا نتيجة سياسة “تصفير مشاكل”، فضلاً عن الإصلاحات الاقتصادية التي كان أبرزها إنشاء المناطق الصناعية الكبرى، وتخفيض قيمة الضرائب، وتقديم الدعم للمستثمر وغيرها، بحسب الكاتب.

وفي نهاية عام 2005 وبداية عام 2006، وتحديداً في 28 آذار/مارس 2006، كانت حكومة حزب العدالة والتنمية أمام تحدٍ عميقٍ في مواجهة حزب العمال الكردستاني في تركيا، حيث تحوّلت مدينة دياربكر ذات الكثافة الكردية، إلى ما أشبه ما يكون بساحة الحرب، بعد دفن أربعة من مقاتلي حزب العمال الكردستاني. وفي خطابات أردوغان المتتالية آنذاك، تم التأكيد على مسعى الحكومة التركية لإيجاد حلٍ جذري “للقضية التركية”، وكان من اللافت للانتباه إشارة أردوغان، في مدينة دياربكر، في نهاية عام 2005، إلى وجود “قضية كردية” في تركيا، لا بد من حلّها بحسب الكاتب الذي شدد على أن تنديد عدد من المواطنين بسقوط عدد من الجنود الأتراك في الحرب ضد الإرهاب، أدى دوراً في دفع الحكومة التركية نحو الانفتاح على “المشكلة الكردية” في تركيا، لحلها بشكلٍ جذري، وهو ما ستنعكس نتائجه في آيار/مايو 2013، حيث ستتم “عملية سلام” بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني”.

لكن، لم يربط أردوغان بين السياسة الداخلية والخارجية على صعيد الأزمة الكردية، إذ شن، في 9 نيسان/أبريل 2007، هجوماً شنيعاً على رئيس إقليم شمال العراق، مسعود بارزاني، الذي صرّح بأن “الإقليم سيتدخل في شؤون مدينة دياربكر، إذا أقدمت تركيا على التدخل في أزمة كركوك”، حيث قال “أنصح بارزاني بعدم التصريح بتصريحات هو ليس بحجمها”.

وفي 14 نيسان/أبريل 2007، كان أردوغان أمام تحدٍ جديدٍ ظهر عبر تظاهرات عارمة اندلعت في ميدان “تاندوغان” في أنقرة، نددت بالخطر الذي يشوب نظام الحكم الجمهوري في تركيا، وقد زاد زخم هذه التظاهرات بالتزامن مع انتهاء المدة الرئاسية لأحمد نجدت سازار، حيث نُشر إدعاء محاولة حزب العدالة والتنمية الاستئثار بالحكم. وما زاد من قلق حزب العدالة هو نشر رئاسة الأركان التركية، في 30 نيسان/أبريل 2007، توضيحاً إلكترونياً يُعبّر فيه الجيش عن امتعاضه من “انتشار بعض مظاهر الرجعية”.

ومن أجل تجاوز هذه الأزمات، والتقليل من حجم آثارها المُحتملة، اقترح حزب العدالة والتنمية انتخاب الرئيس من قبل الشعب بشكل مباشر، عارضاً الأمر على الاستفتاء الشعبي في 21 تشرين الأول/أكتوبر 2008. وكانت نتيجة الاستفتاء 69.1% نسبة القبول. وبذلك تجاوز الحزب هذا التحدي.

وفي 23 كانون الثاني/يناير 2008، انطلقت قضية أطلق عليها اسم “أرغاناكون”. ظهرت هذه القضية عبر مداهمة منزل في حي “العمرانية” في إسطنبول، حيث وُجد فيه بعض القنابل اليدوية، وهناك بدأت عملية التحقيق، حتى وصلت إلى القضاء إلى ملفات تُثبت تخطيط الجيش لانقلاب عام 2009.

كانت عصابة “أرغاناكون” تعمل عبر منظمات مجتمع مدني ووسائل إعلام مرتبطة ببعض قادة الجيش. وباستناد أردوغان إلى الشرطة والقضاء، وبدعمٍ من الاتحاد الأوروبي الذي كان أردوغان يحاول التقارب منه، استطاع قضم محاولة جديدة للانقلاب على حكومته.

وللدفع نحو المزيد من كسب تعاطف الشعب، قدم حزب العدالة والتنمية بالتعاون حزب الحركة القومية في 6 شباط/فبراير 2008، اقتراحاً للبرلمان ينص على السماح باستخدام الحجاب في الثانوية العامة والجامعات.

ونتيجةً لهذا الاقتراح، قدم النائب الجمهوري العام، عبد الرحمن يالجين كايا، في 14 مارس/آذار 2008، دعوى لدى المحكمة الدستورية، يطالب فيها “بحلّ حزب العدالة والتنمية، لما يمارسه من أنشطة ضد مبدأ علمانية الجمهورية التركية”. وفي 30 تموز/يوليو 2008، رفضت المحكمة الدستورية الدعوى، مبينةً أن الهيئة العليا للمحكمة لم توافق بالإجماع المُطلق على ممارسة حزب العدالة والتنمية لأنشطة ضد مبدأ علمانية الجمهورية.

وفي إطار الاستمرار لرفع مستوى قوة تركيا، افتتحت الحكومة، في 24 أيلول/سبتمبر 2008، مناقصةً لإنشاء مفاعل نووي في مدينة مرسين، ورست المناقصة على الشركة الروسية “أتومستروييكسورت”.

واستكمالاً لقضية “الأرغانكون”، أطلقت الشرطة التركية، في 26 شباط/فبراير 2010، حملة أطلق عليها فيما بعد اسم “المطرقة”، استهدفت بعض قادة الجيش الذين اُتهموا بالتخطيط لمحاولة الانقلاب ضد حزب العدالة والتنمية، من خلال افتعال نزاع داخلي بين المحافظين والعلمانيين، وافتعال مناوشات مع اليونان.

وفي 18 تموز/يوليو 2010، أبرمت تركيا وأذربيجان اتفاقيةً تنص على نقل الغاز الأذري عبر تركيا نحو أوروبا. وتحمل هذه الاتفاقية أهمية، نتيجةً لكونها تأتي في إطار الخطة الاستراتيجية لتركيا، في تحويل موقعها الجيوسياسي الاستراتيجي إلى مركز لتوزيع الطاقة في العالم.

وفي سياق تحرك حكومة حزب العدالة والتنمية، من أجل إجراء إصلاحات اقتصادية واجتماعية وثقافية من شأنها أن توقف الدعم الشعبي لحزب العمال الكردستاني، افتتح أردوغان، في 31 تشرين الأول/نوفمبر 2010، عشرة مشاريع اقتصادية متنوعة.

وتأكيداً على مواصلة تركيا رغبتها في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، زار أردوغان، في 13 نيسان/أبريل 2011، البرلمان الأوروبي، معرباً عن سعادته الغامرة بالانضمام إلى إحدى جلسات البرلمان الأوروبي الذي يعتبر معلماً أساسياً من معالم الديمقراطية في العالم، بحسب ما يورد الكاتب.

وبحلول الانتخابات البرلمانية التي كانت ستحدُث حينها في 12 حزيران/يونيو 2011، يفيد الكاتب أن الحزب عمد، قبل الانتخابات، إلى تطبيق بعض السياسات التي من شأنها أن ترفع من رصيده الشعبي، أهمها؛

ـ السماح بإجراء الحملات الانتخابية باللغة الكردية.

ـ منح الشباب البالغين من العمر 25 عاماً حق الترشح للانتخابات.

ـ منح الشعب حق انتخاب الرئيس بشكل مباشر.

وفيما شهدت الانتخابات مشاركة 87.16% من عموم أصحاب الحق في التصويت، فاز حزب العدالة والتنمية بنسبة 49.83%، وبذلك حظي أردوغان بلقب “ثاني قائد أكثر حكماً لتركيا بعد أتاتورك”.

وكنتيجةِ لفوزه الساحق، اتجه حزب العدالة والتنمية، في 2 أيلول/سبتمبر 2011، مستنداً إلى الدعم الشعبي، صوب التصعيد ضد إسرائيل، مُخفضاً مستوى التثميل الدبلوماسي في تل أبيب إلى أقل المستويات، رداً على الهجوم الإسرائيلي على سفينة “مافي مرمرة” التي كانت في طريقها إلى غزة. كما عمد إلى اتباع ما أسماه سياسة “الدعم المفتوح” تجاه الأزمة السورية. وقد فوّض البرلمان التركي في 03 تشرين الأول/أكتوبر 2012، الحكومة حق التدخل العسكري في أراضي الدول الأخرى، ولا سيما سوريا، بذريعة الحفاظ على الأمن القومي.

في تاريخٍ غير معلن، وفقاً للكاتب، بدأت المشاورات بين الاستخبارات التركية وحزب العمال الكردستاني، وقد كانت جماعة الداعية فتح الله غولن التي كانت في حينها متغلغة في أجهزة الدولة، رافضة لهذه المشاورات. ولوقف المشاورات المذكورة، عمدت الجماعة، ركوناً إلى جهازي الداخلية والقضاء، إلى محاولة إلقاء القبض على رئيس جهاز الاستخبارات القومي، هكان فيدان، الذي يلقب “باليد اليمنى لأردوغان”، وتزامنت محاولة اعتقاله مع إعداد أردوغان لإجراء عملية جراحية في جهازه الهضمي، وذلك يوم 7 شباط/فبراير 2012.

تواصل فيدان في البداية، مع رئيس الجمهورية حينذاك، عبد الله غل، الذي قال له “اذهب معهم”، إلا أنه لم يصغِ لذلك القول، وتواصل مع رئيس الوزراء أردوغان، قبل دخول الأخير العملية الجراحية بساعات قليلة، فقال له أردوغان “إياك أن تسلّم نفسك”. وكانت هذه الحادثة الشعرة التي قصمت ظهر البعير بين جماعة غولن وحزب العدالة والتنمية. ولتحصين موقع رئيس جهاز الاستخبارات، قدم الحزب، في 12 شباط/فبراير 2012، إلى البرلمان، مسودة قانون تقضي بتحصين البيروقراطيين الذين تم توكيلهم بمهام من قبل رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية.

وعلى الرغم من العراقيل التي وضعتها الدولة العميقة، إلا أن الحكومة التركية نجحت في إتمام اتفاق حول “عملية السلام” أو “عملية الحل”، مع حزب العمال الكردستاني، والتي استمرت حتى يونيو/حزيران 2015، حيث نكثها “الكردستاني”، بحسب الكاتب.

ولإكلال هذه العملية بنجاح، لجأت الحكومة التركية إلى إجراء بعض الإصلاحات، حيث شرعت باقتراح قانون على البرلمان يعترف بحق المواطنين بالدفاع عن أنفسهم بلغتهم الأم، في 24 كانون الثاني/يناير 2013.

وبالتزامن مع ذلك، أكّد أردوغان، في أحد لقاءاته التلفازية، في 25 كانون الثاني/يناير 2013، على أن تركيا لن تستغني، مطلقاً، عن عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، مشدداً على أن الاتحاد الأوروبي يشكّل منطقةً حيويةً بالنسبة إلى تركيا، من حيث الجانب الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والقانوني والثقافي.

ولم يمضِ كثيراً على هذا اللقاء حتى تعرضت مدينة هاتاي التركية الحدودية لانفجارين، في 11 أيار/مايو 2013، اتهمت على إثرهم الحكومة التركية الحكومة السورية بالتخطيط لهما وتنفيذهما.

ولم يلبث أن ينقضي الحديث عن هذين الانفجارين، حتى انطلقت، في 27 أيار/مايو 2013، احتجاجات حديقة “غيزي بارك”، التي استمرت حتى 12 حزيران/يونيو، وكلّفت تركيا خسائر اقتصادية كبيرة. طالب المحتجون في هذه التظاهرات التي صُوّرت على أنها امتداد لثورات “الربيع العربي”، بإجراء اصلاحات جذرية. ولامتصاصها، عمدت الحكومة التركية إلى إجراء عدد من اإاصلاحات التي شملت الالتقاء بهيئة تمثل المتظاهرين، وإلغاء قلع الأشجار التي خرج المتظاهرون من أجلها.

وفي 8 تشرين الأول/أكتوبر 2013، قدم الحزب “حزمة دمقرطة” جديدة، تشمل السماح باستخدام الحجاب في جميع المؤسسات الحكومية، ورفع “العهد التركي” من المدارس، والذي كان يبدأ بالقول “أنا تركي، أنا على صواب”، تماشياً مع “عملية السلام” مع حزب العمال الكردستاني، والتي اقتضت الاعتراف بوجود القوميات الأخرى، بعيداً عن حصرها في القومية التركية.

وتثبيتاً لأحكام الديمقراطية بحق المحجبات، عمد أردوغان إلى جانب رئيس الجمهورية آنذاك، عبد الله غل، ورئيس البرلمان، جميل تشيشيك، إلى إصطحاب زوجاتهم المحجبات في احتفال يوم تأسيس الجمهورية، في 29 تشرين الأول/أكتوبر 2013، وكانت هذه الظاهرة هي الأولى من نوعها في تاريخ الجمهورية، إذ لم يسبق حضور محجبات هذه الفعالية.

ولأن أردوغان كان ينوي الترشح لرئاسة الجمهورية، كان بحاجة إلى مشروع ضخم يقنع الجمهور. فاتجه إلى وضع حجر أساس جسر إسطنبول الثالث، وافتتح خط مارماراي الذي يصل الطرفين الأوروبي والأسيوي لإسطنبول، عبر خط مترو يمر من تحت البحر.

وفي انتخابات 11 آب/أغسطس 2014، اُختير أردوغان، رئيساً لتركيا، كأول رئيس يختاره الشعب بشكل مباشر في تركيا. وبذلك انتهى عهد أردوغان كرئيس وزراء.

تقييم الكتاب

يشكل الكتاب أحد أهم المصادر المشمولة بمصادر حكومية موثوقة حول فترة حكم رجب طيب أردوغان، كرئيس للوزراء، إلا أنه يفتقد، وبشدة، لأي منهج علمي، كالمناهج الوصفية التحليلية أو المسحية العلمية التي تستند إلى التحليل أو ربط الأحداث بعضها ببعض، حيث جاء في إطار سردي يرصد كل حدثٍ بشكل منفصلٍ عن الآخر، مع وجود تحليل بسيط في بعض فقرات الكتاب.

الميادين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى