غزة لا تستقرّ: استنفار متبادل بين المقاومة والعدو
على رغم انتهاء معركة «ثأر الأحرار»، تتواصل حالة الاستنفار والترقُّب، سواء لدى الاحتلال الذي يتحسّب لإمكانية تجدّد المعركة، أو لدى فصائل المقاومة التي لا تأمن غدراً إسرائيليّاً جديداً. وتتجلّى هذه الحالة، على المقلب الإسرائيلي، في تكثيف التعزيزات والإجراءات الميدانية «الحدودية»، والتحليق الاستطلاعي في سماء غزة، في ما يؤشّر إلى أن العدو ليس مطمئنّاً إلى حالة الهدوء السارية، ويخشى ربّما من مبادرة المقاومة الفلسطينية إلى الردّ على جرائمه واستفزازاته في مدينة القدس المحتلّة، وآخرها اقتحام وزير «الأمن القومي»، إيتمار بن غفير، المسجد الأقصى، وعقْد حكومة بنيامين نتنياهو اجتماعها في أحد الأنفاق أسفله.
وتقدّر جهات أمنية فلسطينية أن الاحتلال يعكف، منذ انتهاء جولة القتال الأخيرة، عبر جهد استخباري مكثّف من الجوّ، على تحديث بنك أهدافه في غزة، فيما لا تزال احتمالية ذهابه إلى عمليات اغتيال جديدة ضدّ المقاومة في القطاع واردة، وسط تصاعُد أزمة الائتلاف الحكومي داخل إسرائيل. وعلى حدود غزة، يواصل جيش العدو تحصين مستوطنات «الغلاف» لمنع إطلاق الصواريخ المضادّة للدروع في أيّ مواجهة عسكرية مقبلة. ووفق ما أوردته صحيفة «يديعوت أحرونوت»، فإن الجيش نصب جدراناً دفاعية وسدوداً ترابية تخفي بشكل كامل الحدود ما بين غزة ومستوطنات «الغلاف». وزعمت الصحيفة أن «سرايا القدس»، الذراع العسكرية لحركة «الجهاد الإسلامي»، كانت تبحث، خلال الجولة الأخيرة، عن هدف لإطلاق صاروخ مضادّ يتيح لها الحصول على صورة النصر بعد الضربة التي تلقّتها الحركة باغتيال قيادتها، مضيفةً أن جيش الاحتلال «أَحبط تلك المحاولات قبل وقوعها باستهداف مجموعات إطلاقها»، مستدركةً بأن «السرايا» نجحت مرّة واحدة في إطلاق صاروخ واحد سقط في منطقة مفتوحة، وتسبّب بحريق صغير.
وبحسب «يديعوت أحرونوت»، فإن المؤسّسة الأمنية تتفهّم التأثير الذي يمكن أن يَنتج من مِثل هذا الحدث، ولذا فهي «تبذل جهداً لإحباطه». لكنّ الصحيفة تشير إلى أنه «في كل مرّة تندلع فيها جولة قتال، تكون الطرق المكشوفة أمام قطاع غزة مغلقة… والجيش الإسرائيلي لم يكن راضياً عن ذلك، وقام ببناء خطط دفاعية كاملة تشمل نصب جدران إسمنتية ضخمة في مناطق معيّنة، وتحديد المواقع المعرّضة لنيران مضادّة للدبابات»، مضيفةً أنه سيصار قريباً إلى بناء المزيد من الجدران والسدود الترابية في مناطق معيّنة، لافتةً إلى أن «هذا التحرّك الدفاعي يثير نقاشاً لا يقلّ أهمّية حول مسألة الردع الإسرائيلي ضدّ غزة، والتي يتّضح من خلالها للجميع أن الجولة القادمة هي مسألة وقت». ويأتي ذلك في وقت توغّلت فيه ثماني جرّافات وآليات عسكرية إسرائيلية شرق دير البلح على حدود وسط قطاع غزة، لعدّة أمتار انطلاقاً من موقع «كيسوفيم» العسكري، وانسحبت بعد وقت قصير من إجرائها عمليات تجريف وسط مراقبة من وحدات تابعة للمقاومة تنتشر في المنطقة الحدودية.
على خطّ موازٍ، نظّمت مؤسّسات تُعنى بالأسرى والمحرَّرين في غزة، أمس، وقفة تضامنية نصرةً للأسير وليد دقة الذي تدهور وضعه الصحي، فيما لا يزال الاحتلال يرفض الإفراج عنه. وقالت زوجة دقة: «أبو ميلاد باقي له عامان من حكمه الجائر المضاف إلى حكمه الأصلي بتهمة تهريب هواتف نقّالة داخل سجون الاحتلال»، مضيفةً أن «هذا الوقت المتبقّي من حكمه الجائر قد يؤدّي إلى موته المحتّم، فأبو ميلاد لن يستطيع الصمود في هذه الظروف الصحيّة». ودعت الجميع إلى الوقوف إلى جانب الأسير وعدم تركه وحيداً مقيّداً، والمطالبة بالضغط الدولي والقانوني على العدو للإفراج عنه لتلقّي العلاج. واعتبر الناطق باسم حركة «حماس»، أسامة قاسم، بدوره، أن «ما يحدث مع الأسير وليد دقة هو جريمة حرب ممنهجة يتحمّل الاحتلال تداعياتها»، مؤكّداً أن «المقاومة ستبقى على عهدها ووعدها، وستبقى قضيّة الأسرى على سُلّم أولوياتها»، داعياً إلى توسيع التضامن مع الأسير دقة في قطاع غزة وفي الضفة الغربية، وتصعيد الضغوط على الاحتلال للإسراع في الإفراج عنه.
صحيفة الأخبار اللبنانية