غضب في دمشق وأنقرة وصمت في موسكو: «قسد» تشرّع سرقة النفط أميركياً
بعد أشهر من البحث عن آلية لاستثمار النفط السوري أميركياً، أعلن السيناتور الأميركي، ليندزي غراهام، توقيع شركة نفط أميركية عقداً مع القائد العام لـ»قسد»، مظلوم عبدي، للعمل في حقول النفط في شرقي الفرات، وذلك خلال جلسة لمجلس الشيوخ الأميركي قبل أيام. ووفق الإعلان الأميركي، فإن شركة «Delta Crescent Energy LLc»، حصلت على العقد، على رغم عدم صدور أيّ تصريح رسمي من «الإدارة الذاتية» الكردية يؤكد هذه المعلومات أو ينفيها.
وينصّ العقد، بحسب المعلومات المتداولة، على أن تقوم الشركة المذكورة بإنشاء مصفاتين لتكرير النفط في مناطق سيطرة «قسد»، مع العمل على صيانة الحقول والآبار، وإعادتها إلى إنتاجها الطبيعي. ووفق مصدر مقرّب من «قسد»، فإن «الشركة ستبدأ عملها خلال فترة قصيرة، من خلال استقدام مصفاتين متنقّلتين إلى محافظة الحسكة، مع الانتقال في مرحلة لاحقة إلى دير الزور لإعادة تأهيل الحقول والآبار هناك». وأضاف المصدر أن «الشركة وقسد اتفقتا على بدء العمل في المناطق الآمنة في الحسكة، والترّيث في العمل في دير الزور، لوجود مخاوف أمنية من انتشار خلايا لداعش في المنطقة». وتابع أن «قيادة قسد اعتبرت الخطوة الأميركية بمثابة اعتراف سياسي بالإدارة الذاتية، من خلال التعاقد معها من دون العودة إلى الحكومة السورية»، كاشفاً أن الاتفاق «يتضمّن تطمينات إلى وجود أميركي طويل الأمد في سوريا».
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن، عقب تراجعه عن قرار الانسحاب الكامل من سوريا، الإبقاء على قرابة 500 جندي هناك، بحجة حماية حقول النفط والغاز. وقال ترامب، حينها، إن ما يعتزم القيام به هو «ربما عقد صفقة بين شركة إكسون موبيل، أو إحدى شركاتنا، للذهاب إلى سوريا والقيام بذلك بشكل صحيح، وتوزيع الثروة». وتلت تصريحات ترامب زيارة لعدد من خبراء النفط الأميركيين برفقة ضباط من «التحالف الدولي»، بينهم خبراء مصريون وسعوديون، إلى حقول التنك والعمر والجفرة الواقعة في شرقي الفرات، للكشف عليها والاستحصال على عقود من شركات لاستثمارها. ولعلّ اعتماد واشنطن على شركة غير معروفة لتولّي مهام استثمار حقول النفط، وعدم الكشف عن تفاصيل واضحة في شأن العقد، يشيان بأن الإعلان سياسي أكثر منه تقني، وهو موجّه بشكل رئيس ضدّ دمشق وموسكو. كما أنه يأتي في إطار تصعيد الضغوط على الحكومة السورية، بهدف انتزاع تنازلات منها.
وأثار الإعلان الأميركي موجة ردود الفعل، كان أبرزها اعتبار وزارة الخارجية السورية «الاتفاق سرقة موصوفة متكاملة الأركان»، وإدراجها إياه في إطار «الاعتداء على السيادة السورية». وقالت الوزارة إن «ميليشيات قسد المأجورة تدرك أن الاحتلال الأميركي إلى زوال لا محالة (…)»، وأنها «مهزومة» هي الأخرى «مثلها مثل المجموعات الإرهابية التي استطاعت الدولة هزيمتها». من جهتها، أسفت وزارة الخارجية التركية، في بيان، لـ»دعم الولايات المتحدة لاتفاق النفط»، معتبرة إياه «خطوة لتمويل الإرهاب، وغير مقبول، وليس له أيّ أساس شرعي».
من جهته، يقول رئيس «مجلس سوريا الديموقراطية»، رياض درار، في حديث إلى «الأخبار»، إن «من حق الإدارة الذاتية التي حرّرت المنطقة الاستثمار في مواردها وتحسين واقع سكانها الاقتصادي، في ظلّ استمرار غياب الدولة»، معتبراً بيان الحكومة «استمراراً لنهج الظلم والاستبداد وعدم قراءة المشهد بشكل كاف». وأشار درار إلى أن «الإدارة الذاتية ستبقى تعمل على الحصول على استثمارات في مناطقها لتحقيق التنمية المطلوبة، إلى حين إنجاز تسوية سياسية في إطار سوريا الواحدة الموحّدة»، نافياً «استئثار الذاتية بالاستفادة من عائدات النفط»، ومستشهداً بـ»استمرار تدفق النفط من مناطق قسد باتجاه مناطق سيطرة الحكومة، في إطار تبادل المصالح الاقتصادية بين الطرفين».
وفي السياق ذاته، يبدو لافتاً غياب أيّ تصريح رسمي روسي، وسط تسريبات كردية عن مساعٍ روسية للاستثمار في حقول النفط والغاز في شمال سوريا وشرقها. وهي تسريبات يبدو أنها تستهدف الاستثمار في تلك المساعي من أجل كسب ودّ موسكو، من دون إغضاب واشنطن. ولعلّ هذا ما يوحي به تصريح الرئيس المشترك لـ»الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا»، عبد المهباش، الذي أعلن في حديث إلى مواقع كردية أن «الإدارة الذاتية تدرسُ طلبات لشركات روسية وأميركية، بهدف الاستثمار في مجالات خدمية مختلفة في المنطقة». وفي حال صحّة الحديث المتقدّم، فقد تكون روسيا في صدد العمل على إنجاز اتفاق مزدوج مع «قسد» والحكومة، يتيح المجال للشركات الروسية للعمل في حقول النفط والغاز، بموافقة الطرفين. وكانت موسكو قد تمكنت من الحصول على عدة استثمارات في حقول النفط والغاز والفوسفات التي استعادت الدولة السورية السيطرة عليها في البادية وحمص ودير الزور، إضافة إلى استثمارات أخرى في الساحل. وحصلت شركة «ستروي ترانس» الروسية، في العام 2017، على عقد للتنقيب عن النفط في بانياس وطرطوس وحقل قارة، مع استخراج الفوسفات من مناجم الشرقية في تدمر. كذلك، صادق مجلس الشعب السوري على مشاريع القوانين المتعلّقة بالتنقيب عن النفط والغاز، الموقّعة بين وزارة النفط وشركة «ميركوري» النفطية الروسية، للتنقيب في البلوكين الرقم 7 و19، وشركة «فيلادا» في البلوك الرقم 23.
وبالعودة إلى الاتفاق الأميركي – الكردي، فمن المتوقع أن يواجه بموجة غضب عشائرية، في ظلّ مطالبات سابقة لـ»قسد» بمنح بعض العشائر حصصاً من واردات النفط والغاز في ريف دير الزور، واعتبار أخرى أن ما يحصل اعتداء على ثروات الدولة السورية. كما يتوقع أن يُوسّع الاتفاق الهوّة بين العشائر من جهة وواشنطن و»قسد» من جهة أخرى، بعد اتهامات عشائرية متكررة للأميركيين بدعم الأكراد، على حساب أبناء العشائر في دير الزور.
الحسكة ودير الزور بؤرتا النفط
قدّر موقع «أويل برايسز» البريطاني إجمالي الاحتياطي السوري من النفط بنحو 2،5 مليار برميل، ما لا يقلّ عن 75% منها موجودة في محافظتَي الحسكة ودير الزور. وانخفض إنتاج سوريا من النفط إلى أقلّ من ألف برميل يومياً، خلال سيطرة «داعش» على معظم آبار النفط في عامَي 2014 و2015، قبل أن يرتفع إلى 24 ألف برميل في العام 2017، وفق التصريحات الحكومية. وكان بلغ الإنتاج السوري العام من النفط، في العام 2010، نحو 140 مليون برميل سنوياً، بمعدّل 386 ألف برميل يومياً، تُنتَج معظمها في حقول الحسكة ودير الزور.
صحيفة الأخبار اللبنانية