غياب الحضور
إلى الشاعر سهيل إبراهيم ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
“ليلاً
كل يوم
ليلاً في دمشق
عندما أمرّ إلى جوار بيوت أصحابي المهجورة…
تعوي على رائحتي كلاب الصمت”
وأمر نهاراً إلى جوار زجاج المقهى…
فلا أجده على كرسيه المعتاد.
أهاتفه فيقول لي: نلتقي قريباً.
ثمة شوارع كنا نمشي فيها بأحذية آملة بالوصول إلى حلم. ولكن الغد المأمول كان جنازة تلو أخرى في صمت الشعوب التي تضرم النار في ثوبها، وينوح عليها أبناؤها.
سهيل إبراهيم… إياك أتذكر صديقاً وشاعراً، ورجلاً على شرفة حزن تتخلله ابتسامة مشفقة: “ثمة صليل عظام” في بيت التاريخ… فالسيوف المكتوب على شفرتها “نصر من الله وفتح قريب” تنام في صدأ الهزيمة، وأنت تنشد حباً في عتمة العالم.
إياك أعني… وكان جديراً بالحياة منحك سنوات أخرى لاكتمال القصيدة. الآن، أنت غائب، وفي غيابك حدث الكثير. سيخبرك عنه اللاحقون بك، وأنا سأشغل نفسي عنك بقصة الغياب التي لا أجد لها تفسيرا سوى أن الموت، كمدير عام للخراب، يعطينا إجازة قصيرة نزور فيها الدنيا ثم نقول لها، في نهاية الإجازة… الوداع يا سيدتي.
الغياب، هو نقص الحضور.
نقصان الحيّز البهيّ للكلمات.
وضيق الأفق المفتوح على الحرية.
الغياب، هو الشعر، كلما ارتفعت نبوءته… انخفضت في الواقع كفاءته. وصار إنجاز الفتنة الجمالية فقيراً في بيت اللغة، وعلى قارعة الزمن.
الغياب، هو ذلك الشعور العسير بأن منجز الثقافة في مجلدات لا يساوي ضربة سوط بيد جلاد،على لحم بريء ،في بلاد تأكل نفسها، ويصبح فيها الخراب ، لاالغياب ، سيداً.
أنا صديق هذا الشاعر منذ نصف قرن.
كان شاعراً جميلاً. وظل كذلك حتى آخر لحظة. وفي الحقيقة لا أعرف كيف أكتب عنه كشاعر… فلقد استمعت إلى قصائده في لحظة ولادتها، ودبيب كلماتها، في ورقة، ولسوف أواصل الإصغاء إليه في لحظة نشرها في كتاب!