فايز خضّور مغادراً «قدّاس الهلاك»
انطفأ صباح يوم الأحد، الشاعر السوري فايز خضّور (1942- 2021) آخر شعراء جيل الستينيات، وهو بذلك يغلق القوس على جيل حمل راية الحداثة كمشروع معرفي في المقام الاول.
خسارات متتالية لم تعد تتسع لها المقابر، من محمد عمران إلى علي الجندي إلى ممدوح عدوان وآخرين. هكذا طوى صاحب «الظل وحارس المقبرة» (1966) أشرعته عائداً إلى «سلمية» ليدفن في ظلّ شجر السلماس، تاركاً خلفه ميراثاً شعرياً متفرّداً، لطالما سعى إلى الاشتغال عليه بإزميل نحّات، فهو نحّات كلمات حقاً، ما جعل لغته أقرب إلى الألغاز، لكنه لم يتخلّ عن معجم الأسلاف في تطوير نصّه بمزيج رؤيوي ونبرة إيقاعية تنطوي على مهارة خاصة في إعلاء شأن اللغة كرافعة أولى.
وإذا بنا حيال نسيج شعري نافر يحتاج إلى ذائقة عالية لاستساغته، لكننا لن نغفل عن ذلك الرنين الغريب في خلفية المشهد، كأنه ترجيع لتاريخ طويل من الانكسارات والعطب والفجيعة. ففي مراجعة لعناوين دواوينه، سنقع على عناصر أساسية في تجربته باستدعائه مفردات السخط «ويبدأ طقس المقابر»، و«غبار الجليد»، و«أمطار في حريق المدينة»، و«قدّاس الهلاك».
على الأرجح، فإن تجريبية فايز خضور باستنفارها ما هو مهمل في المعجم نأت بقصيدته عن الجموع، رغم غنائيتها، معتبراً أن أي تجريب من خارج الموروث الشعري العربي هو «تخريب»، داعياً إلى نسف قصيدة النثر بوصفها تجربة هجينة ومستوردة، فالحداثة الشعرية بالنسبة له لا يمكن لها أن تنبت في أرضٍ ليست لها. من هنا نأى فايز خضّور عن أطروحات «جماعة شعر» بالمطلق، وبقي خارج السرب يهجو عصره ببسالة.