فبركة البرلمان على خشبة المسرح !
دمشق ــ خاص بوابة الشرق الأوسط الجديدة
وصل المسرح السوري إلى قلوب الناس عبر عدة طرق، أولها البساطة، وثانيها العمق، وثالثها الفن، وقد تميز من المسرحيين من قام بمزج هذه الطرق بالشجاعة التي يقدرها السوريون ويتفاعلون معها، فالفن الجبان يموت لأن الشعب يهمله لعجزه عن مقارعة التخلف برقيّه ولا يبحث عن المستقبل برؤيته..
في تجارب محددة، أوصل هذا النوع من المعادلات المسرح السوري إلى الناس، ثم مالبث أن غشّاها الضباب، نتيجة الانخراط في مسرح النخبة التي تنتظر غودو دون التعاطي مع مأساة الانتظار في مواقف الباصات أوقات الذروة، وببساطة لم يستطع المسرحيون الخروج من هذا النوع لسبب معروف هو عدم وجود دراية بطبيعة الخشبة السورية ومن الذي يتدافع على بابها لحضور إنتاجها الفني !
أثار انتباهي تشابه العبارات التي قالها الفنان أيمن زيدان والكاتب محمود الجعفوري عن تجربتهما/ المغامرة، أي: المسرحية الجديدة فابريكا، فقد قالا عن التجربة الجديدة إنها “فسحة لفرجة شعبية كوميدية” وهي عبارة تشير إلى النهج أكثر من كونها تصريحا للصحافة، ليس هذا فحسب بل هي مبنية على مجموعة مقومات تدل على تواضع واضح يخفي خلفه عمقا في التعاطي مع خشبة مسرحية تئن من العزلة وينبغي أن تعيد الجمهور إليها .
والمسرحية عند الفنان أيمن زيدان، كما عهدناه، طبخة فنية يستخدم فيها ماهو ضروري في مطبخ الفن المسرحي، والمسرحية عند المشاهد كما نظن نحن هي (نَفَسْ)، فعندما يتزاحم الجمهور على شباك التذاكر للحصول على بطاقة دخول فهذا يعني أن صاحب المسرحية نَفَسَهُ طيب في المسرح، ونَفَسْ أيمن زيدان طيب في المسرح!
يجيد الفنان أيمن زيدان، وهو هنا المخرج المسرحي/الأستاذ، استخدام الفراغ المسرحي على الخشبة، فيوظف كل زاوية فيه، وينشأ معادلة بين تفاصيل الفراغ في الحركة تتعلق بالمشهد ككل وبعين الجالس في الصالة بشكل خاص، ثم إنه يثق بالمتفرج وثقافته فيقدم له الأقنعة بطريقة يفهمها، ويقدم الاكسسوار المجرد بطريقة غير معقدة ومفهومة بل ومُوظفة في منهجية اللعبة المسرحية الكوميدية.
كل شخصية من الشخصيات التي تتحرك على الخشبة ترتدي قناعا على قفا الرأس، وتتحرك وتحكي على الجانبين : الوجه والقفا، وكأنه يوهمنا بأن مايجري على الخشبة هو الصورة الأخرى لما يجري في الحياة. ثم إن دلالات الملابس المصممة بأزياء الكاريكاتير الساخرة إذا جازت التسمية قادرة على مساعدتنا على فهم انتماء الشخصيات ودورها الاجتماعي وكل ذلك يتحرك وفق منظومة ضوئية (إضاءة)، وموسيقية (مؤثرات) تتجمع في المشهد المسرحي وكأنها معجونة في الطبخة المسرحية ذات النفس الطيب..
هي أدوات فنية على كل حال، وتحتاج إلى بحث خاص، لكن الأساس في البناء المسرحي بالنسبة لنا نحن (الجمهور السوري) الذين ابتعدنا عن المسرح هو ماسيقدمه لنا هذا المسرح من “مضمون” يخاطب مأساتنا بشكل فني يرتقي إلى هذه المأساة الجارحة، وتلك هي التيمة الأخرى لنجاح الفنان أيمن زيدان مع طاقم عمله: إنه يقدم أخطر الموضوعات بأبسط الصيغ، ولو أننا كنا في وقت آخر، لسمعنا عن مطالبات من الرقابة بوقف المسرحية، وتعالي الأصوات المعارضة لها، وتحديدا، من شخصيات تعتبر نفسها مستهدفة في فضاء المشهد الذي أثار سخرية الجمهور وصفق له كثيرا!
كان عنوان المسرحية «برلمان» كما جرى الحديث عنها قبل العرض، فإذا هي”فابريكا” في البوسترات وعلى الخشبة، وبذلك سماها بعض الحضور “فبركة البرلمان”. وبالأصل هي مسرحية مقتبسة عن نص للكاتب الصربي برانيسلاف نوشيتش، بعنوان “نائب الشعب” جرى إعدادها من قبل الكاتب الدرامي محمود الجعفوري، وبالتأكيد مع أيمن زيدان ، ومختصر اللعبة المسرحية هو رصد مهزلة ” الوصول إلى البرلمان والشعارات والناس وهوية النماذج المقدمة” وهي فكرة جعلت المسرحية الأصلية قبل زمن طويل تصطدم في الرقابة في يوغسلافيا، فتمنع قبل أكثر من ثلاثين سنة!
لماذا أسقطت المسرحية كل اعتبارات الرقابة السورية التي نظن أننا نخاف منها، ثم وبجرأة نقرتْ على زجاج غرفنا لتخبرنا أننا جميعا معنيون بما يحصل، بمعنى أن حرب السنوات السبع ينبغي أن تؤهلنا لنتجاوز (مهازل ) أنفسنا، ونبحث عن الحياة التي تليق بنا دون استهتار بقيم الوطن والدولة والحكومة والبرلمان والانتخاب الديمقراطي.
لقد سخرت (فبركة البرلمان) التي قدمها مسرح الحمراء من كل أشكال الفساد دون مهادنة، عرّته، حتى وهو يحمل الشعارات السياسية التي نحبها، كشفت صورة زيفه حتى وهو يرتدي ثوب طموحاتنا، وتمكنت من تقديم نماذجها عبر قصة مختصرة يمكن أن تحصل في كل مكان، أي : حق الترشح إلى البرلمان . ولكي نتعرف على التفاصيل نكتشف سريعا أننا نحن الذين نقف على خشبة المسرح وأن الفنان أيمن زيدان كان مازحا في استخدام الأقنعة خلف رؤوس ممثليه المبدعين!