فتاة القطار: نساءُ على الحافة
النظر من نافذة القطار وكأنها شاشة ترى من خلالها ما يتم عرضه عليك من مشاهد أنت لست فاعلا فيها، أشياء تتحرك أمامك لا تملك إلا خيار مشاهدتها.
قبلة على الشرفة جعلت ريتشل تغادر ذلك الإطار، لم تعد تلعب دور المتلقي بل أصبحت فاعلا في المشهد حتى وإن بدا ضبابيا غير مفهوم في بادئ الأمر لكنها أصبحت فاعلة فيه. هذا التغيير جعلها تتخلى ولو بشكل غير منتظم عن عادة شرب الخمر. محاولة البقاء واعية لما يدور حولها جعلتها تتغير بغية تذكر ما حدث لها تلك الليلة، ليلة الجمعة التي قتلت فيها ميغان والتي أفاقت من بعدها ريتشل ملطخة بالدماء.
“فتاة القطار” رواية للكاتبة والصحافية البريطانية بولا هوكينز الصادرة عن منشورات الرمل في 390 صفحة ترجمها الحارث النبهان في نفس سنة صدورها، تم بعد ذلك اقتباسها الى فيلم حمل نفس عنوان الرواية.
رواية تتجاذبها ثلاثة أقطاب نسوية، ريتشل الطليقة، انا الزوجة الثانية وميغان العشيقة. في مقابل ثلاثة أقطاب رجالية توم طليق ريتشل وزوج أنا، سكوت زوج ميغان، والدكتور النفسي كمال أبديك.
انطلقت الرواية بوتيرة بطيئة تشبه حركة انطلاق القطار، تتوالى الأحداث على مهل تاركة المجال لحضور الوصف الذي جعلنا نتعرف بشكل دقيق ومفصل عن الشخصيات الرئيسية والأماكن التي تدور فيها أحداث الرواية.
تسارع النسق بعد الثلث الأول من الرواية، وبعد ان اكتشفت ريتشل الوهم الذي كانت تعيشه أو بالأحرى الذي صنعته في مخيلتها عن “جس وجيسون” ذلك الثنائي العاشق الذي تراقبهما يوميا في ذهابها وعودتها المزعومة من العمل الذي فقدته بعد أن تم طردها منه بسبب إدمانها على الكحول.
بعد مشاهدتها خيانة “جس” أي ميغان لزوجها شعرت ريتشل بأنها هي من تم خيانتها، إحساسها بان فعل الخيانة لم يكن فقط موجها لسكوت بل هي أيضا ضحية الخيانة، تلك القبلة على الشرفة كانت بمثابة الزلزال الذي أطاح بذلك الصرح الذي بنته طوال رحلتها اليومية.
تخلت الكاتبة عن تلك الوتيرة البطيئة وانطلقت في مغامرة البحث عن ميغان المختفية فجأة ثم حل لغز موتها والعثور عن القاتل، ومن هنا تبدأ مهمة ريتشل في فك ملابسات القضية.
تنطلق ثلاث شخصيات نسائية في سرد أحداث الرواية، كانت أصوات البطلات متفاوتة العلو والقوة. مع تسارع نسق الأحداث انقلبت موازين القوى فأصبح صوت ريتشل، ذلك الصوت الضعيف الواهن هو الصوت الأكثر تأثيرا والأقرب إلى حل لغز الجريمة.
كلما تقدمت ريتشل في بحثها عن حقيقة ما جرى ليلة اختفاء ميغان ومحاولة ملء الفراغ الذي في ذاكرتها عن تلك الليلة كُشِفت لها أسرار زعمت بقية شخصيات الرواية أنها تظل طي الكتمان ومن هنا بدأت في تجميع الدلائل مثل تجميع قطع أحجية متناثرة.
رغم أن عنوان الرواية هو “فتاة القطار” إلا أن مفردة القطار لا يردُ ذكرها في الجزء الأخير من الرواية فلم تَعُد تلك الآلة موجودةً بشكل كثيف بل أصبح صوتها فقط يسمع من بعيد. ومن هنا نكتشف ان القطار لم يكن فقط أداة تنقل ريتشل بل انه يعكس بشكل من الأشكال حياتها التي كانت تمضي أمامها دون أن تحاول تغييرها.
ميدل إيست أونلاين