لا ينبئ استمرار الفعاليات على الحدود الشرقية لقطاع غزة، بأن زيارات السفير القطري، محمد العمادي، التي تكرّرت منذ مطلع الشهر الجاري، أَفلحت في التوصّل إلى صيغة تتراجع عبرها إسرائيل عن تشديد الحصار على القطاع. فقرار العودة المتدرّجة إلى «فعاليات الحدود»، وما يرافقها من أدوات خشنة، من مِثل تخريب السياج الفاصل، وإطلاق البالونات الحارقة، اتُّخذ مطلع الشهر الجاري، بعدما قرّرت «اللجنة القطرية لإعمار قطاع غزة»، حسم 6 ملايين دولار من قيمة المنحة المخصّصة لصرف رواتب الموظّفين الحكوميين التابعين لحركة «حماس»، بالتوازي مع قرار الاحتلال، أخيراً، إغلاق معبر «بيت حانون/ إيرز» في وجه عمّال القطاع، وتقليص حركة تصدير البضائع عبر معبر «كرم أبو سالم».
وساهمت تلك الخطوات مجتمعةً، في وضع «لجنة متابعة العمل الحكومي» في القطاع، في خضمّ أزمة مالية حادة، دفعها إلى تقليص نسبة صرف رواتب الموظفين بواقع 5%، لتصبح 55% من إجمالي الراتب، عوضاً عن 60%، فضلاً عن تأخير صرف الرواتب بشكل شهري لسبعة أيام عن موعدها المعتاد. على أن الأزمة تتجاوز في تأثيرها، حدود رواتب الموظّفين، إلى ملفّات أكثر حساسيّة، من مِثل أوضاع المستشفيات التي نفدت منها المستهلكات الطبية، إذ يعاني مرضى الكلى، من شحّ حادّ في الأدوات اللازمة لإتمام بروتوكول العلاج الأسبوعي، كما يهدّد استمرار الواقع المالي على حاله، في دخول قطاعات خدمية أخرى، في الأزمة.
الفعاليات على الحدود، التي تقودها وحدات «الشباب الثائر» التابعة بشكل غير رسمي لفصائل المقاومة، بدأت منتصف الشهر الجاري، بتظاهرات تخلّلها إشعال الإطارات وتخريب السياج الفاصل. ثم أُقرّ، في نهاية الأسبوع الماضي، تفعيل وحدات «الإرباك الليلي»، والبالونات الحارقة، حيث سُجّل، نهار الجمعة الماضي، اندلاع عدّة حرائق، في «كيبوتس بئيري» و»أحراش أبو قطرون» و»كيسوفيم»، أتت على خمسة دونمات داخل الخطّ الفاصل، كما تواصل في اليوم ذاته، إطلاق العشرات من دفعات البالونات الحارقة. وردّ جيش الاحتلال بقصف ثلاثة مراصد للمقاومة، على الحدود الشرقية لقطاع غزة، بزعم تعرُّض قواته لإطلاق نار من أحد الشبان. كما تواصلت الفعاليات الشعبية وفعاليات إطلاق البالونات الحارقة وتخريب السياج الفاصل، خلال يومَي السبت والأحد.
تلك الفعاليات، أخذت شكلاً أكثر تنظيماً، إذ عقدت «اللجنة الوطنية العليا لكسر الحصار»، أول من أمس، فعالية في ميناء غزة، طالبت فيها بفتح موانئ القطاع، وكسر الحصار المفروض عليه.
على الصعيد السياسي، يؤكد مصدر مطّلع في حركة «حماس» أن العودة إلى تشديد الحصار، والتنصّل من تفاهمات الهدوء التي أُبرمت عقب معركة «سيف القدس»، كل ذلك جاء في سياق معادلة ابتزاز، يحاول من خلالها الإسرائيليون، إجبار الحركة وغيرها من فصائل المقاومة في غزة، على كفّ يدها عن دعم المقاومة في الضفة الغربية المحتلّة. وفيما ترفض الفصائل تقديم أيّ تنازلات في هذا الإطار، جاءت «فعاليات الحدود» لإجبار الاحتلال على عدم استخدام ورقة الحقوق المعيشية لسكّان القطاع، لتحقيق الهدوء في الضفة.
بدوره، قال القيادي في حركة «حماس»، إسماعيل رضوان، إن أنشطة الحدود تندرج في إطار تثبيت معادلة «وحدة الساحات»، «وتشابك قطاع غزة مع الضفة الغربية المحتلّة». وأضاف، في تصريحات صحافية، أن «الاحتلال يتحمّل مسؤولية أيّ تصعيد قد تشهده المنطقة، وعليه الحذر من ارتكاب أيّ حماقة في حقّ المسجد الأقصى، من خلال سعيه الدائم لفرض التقسيم الزماني والمكاني، وصولاً إلى هدم المسجد وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه». ولفت رضوان إلى أن الاحتلال يتحمّل كامل التداعيات المترتّبة على استفزاز «الشبان الثائر» على الحدود الشرقية للقطاع، ولا سيما مع استمرار الحصار الإسرائيلي وحالة التضييق على غزة، وهو الأمر الذي قد يذهب بالمنطقة إلى تصعيد خطير مع استمرار حالة التصعيد في مختلف المناطق الفلسطينية.
من جانبه، رأى الكاتب والمحلّل السياسي، أيمن الرفاتي، أن العودة إلى «فعاليات الحدود»، «تهدف إلى قطْع الطريق أمام محاولة ربْط أوضاع الناس المعيشية في القطاع، بالحاجات الأمنية الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلّة»، مضيفاً، في حديث إلى «الأخبار»: «كان مفهوماً بأن الاحتلال سيستخدم المتطلّبات الحياتية لسكّان القطاع كورقة ابتزاز يضغط من خلالها على فصائل المقاومة، التي تتّخذ من قطاع غزة نقطة انطلاق لتحريك ودعم العمل المقاوم في الضفة الغربية المحتلّة، لذا، جاءت المسيرات، لتقابِل الابتزاز الإسرائيلي، بضغط مماثل (…) الفعاليات على الحدود، رسالة واضحة برفض المقاومة تقديم أيّ تنازلات وطنية».
صحيفة الأخبار اللبنانية