فلسطين وتحديات 2023.. من أين سيبدأ الانفجار؟
ما دامت لدينا بؤر ساخنة كثيرة تنتظر المشهد الفلسطيني، فسيكون الوضع الفلسطيني في عهد حكومة نتنياهو اليمينية قابلاً للانفجار ومرشحاً لمزيد من التصعيد.
بعد أيام معدودة، تنال حكومة نتنياهو الثقة أمام الكنيست الإسرائيلي، بمشاركة أحزاب إسرائيلية يمينية هي الأكثر تشدداً وعنصريةً وإرهاباً وفاشيةً في “إسرائيل”؛ حكومة تسيطر على حقائبها السيادية والرئيسية زعامات من الحركة “الصهيونية الدينية”، ستكون مكلفة بترجمة برنامج الحكومة الذي أفرزته الاتفاقيات التي وقعت بينها وبين بنيامين نتنياهو.
يضم الائتلاف الحكومي الإسرائيلي المقبل أحزاباً يمينية، من بينها حزب “عوتسما يهوديت” برئاسة إيتمار بن غفير الذي سيترأس وزارة “الأمن الداخلي”، وهي حقيبة وزارية تملك سلطات موسعة على الشرطة في “إسرائيل” والقدس والضفة الغربية المحتلة.
الاستيطان والضفة الغربية، القدس والمسجد الأقصى، الأرض والهوية، الثقافة والتراث والأديان، والنقب والجليل المحتلان، جميعها عناوين متصلة بجوهر برنامج الحكومة الإسرائيلية بزعامة نتنياهو، بوصفها أهم العناوين التي تضمنتها الاتفاقيات التي تمت للوصول إلى شكل هذا الائتلاف اليميني الصهيوني.
لعلَّ أبرز سؤال مع منح حكومة نتنياهو الثقة في الكنيست: كيف يمكن أن نتوقع شكل المستقبل القريب وتحدياته على الفلسطينيين في أماكن وجودهم في الأراضي المحتلة عام 2023 في ظل حكومة إسرائيلية يمينية؟
على صعيد برنامج الحكومة الإسرائيلية، فإنها ستعمل على تسهيل عمليات ضمّ أجزاء واسعة من الضفة الغربية المحتلة، وتخصيص مبالغ طائلة لشرعنة البؤر الاستيطانية العشوائية المنتشرة في الأراضي الفلسطينية وتطويرها، وفرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات والطرقات الاستيطانية الجاثمة فيها، وتغيير الواقع القائم في القدس بشكل عام، وفي المسجد الأقصى على وجه الخصوص، وستعمل أيضاً على تطبيق قانون الإعدام بحق الفلسطينيين، ومنح جنود الاحتلال الإسرائيلي وعناصر شرطته المزيد من الصلاحيات لإطلاق النار عليهم.
مجيء حكومة بزعامة نتنياهو بهذه التشكيلة يجعل المشهد أمام تحديات كبيرة جداً على المستوى الفلسطيني. إذاً، سيكون الفلسطيني، أياً كان وجوده في الأراضي المحتلة، أمام بؤر ساخنة وأخرى أشد سخونة، والصهيوني اليميني المتطرف إيتمار بن غفير الذي سيتقلد منصب وزير “الأمن الداخلي” الإسرائيلي سيكون رأس الحربة على مستوى الصراع مع الشعب الفلسطيني، وخصوصاً في القدس والداخل الفلسطيني المحتل عام 1948.
كل الاتفاقيات التي أبرمت بين نتنياهو والأحزاب الصهيونية المتشددة تعد اتفاقيات تصعيد ومواجهة مع الفلسطينيين. هذه الحكومة قدمت نفسها للناخب الإسرائيلي بوصفها الأكثر جدارة بتحقيق وعودها، وهي تشعر بأن لديها فائض قوة غير مستخدمة، وهي مصرَّة على أن تنفذ ما وعدت به جمهورها الإسرائيلي المتغطرس الذي يشعر أيضاً بفائض القوة، وستعمل على تفريغ فائض قوتها تجاه الشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته، سواء كان داخل فلسطين المحتلة عام 1948، أو في الضفة الغربية وخارجها، أو في مدينة القدس والمسجد الأقصى، ولن يكون قطاع غزة بعيداً من دائرة الأحداث.
المدن الفلسطينية في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948 ستواجه تحديات كبيرة، وعلى وجه الخصوص النقب والجليل، إذ سيكونان بؤراً ساخنة في مواجهة الاستيطان الجديد. النقب المحتل سيكون بؤرة ساخنة جداً في مواجهة بن غفير ومخططاته الإجرامية، وتعهده الأخير بتطبيق القانون بالقوة يعدّ إعلان حرب تهجير جديدة على الفلسطينيين في النقب والجليل، ومنعهم من استغلال أراضيهم، سواء كان نشاطاً زراعياً أو عمرانياً.
كذلك هو الجليل الذي يتوعد بن غفير على الملأ بأنه سيكون أمام تهجير قسري كبير يطال نحو 50 ألف منزل فلسطيني تزعم “إسرائيل” أنه غير مرخص. أما القدس، فستكون البؤرة الأشد سخونة ومواجهة، وسيعمل بن غفير على تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى وإلغاء الاتفاق المعمول به منذ عشرات السنين، وهذا ما سيجعل ساحات الأقصى ميداناً ساخناً أكثر وأكثر.
من أين سيبدأ الانفجار؟ سؤال ثانٍ سيبقى حاضراً في الأذهان مع تأليف هذه الحكومة. من الداخل الفلسطيني المحتل، أم من المسجد الأقصى، أم من الضفة الغربية بسبب زيادة القتل والاستيطان، أم من غزة التي أصبح اسمها مرتبطاً ارتباطاً متجذراً بالقدس والضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1948، فلم يعد الموضوع الإنساني سبباً لانفجارها؟
ما دامت لدينا بؤر ساخنة كثيرة تنتظر المشهد الفلسطيني، فسيكون الوضع الفلسطيني في عهد هذه الحكومة اليمينية قابلاً للانفجار ومرشحاً لمزيد من التصعيد، وستكون هناك مواجهة كبرى مع الشعب الفلسطيني، سواء في الضفة الغربية والقدس المحتلة أو في فلسطين 48، والوضع في قطاع غزة ليس بعيداً من تطبيق برنامج هذه الحكومة.
سيعمل نتنياهو خلال فترة رئاسته هذه الحكومة على اختتام حياته السياسية بإنجازات ملموسة للتيار اليميني المتشدد في “إسرائيل”، وحسم الصراع مع الفلسطينيين بالقوة، وسيكون الشعب الفلسطيني أمام سنة ساخنة لا بد من الاستعداد والإعداد الجيد لها بالمستوى المطلوب.
لعل السؤال الثالث والأهم هنا: ما المطلوب فلسطينياً أمام هذه التحديات الكبيرة؟ هذا هو أفضل وقت لرصّ الصفوف، والمطلوب من الفلسطينيين تحقيق الوحدة الفلسطينية، وإجراء الانتخابات فوراً، وإيجاد برنامج وطني يتفق عليه الجميع لمواجهة هذه الحكومة الفاشية.
وفي حال نجح الفلسطينيون في ترتيب أوراقهم واعتماد سياسة وطنية موحدة في مواجهة هذه الحكومة اليمينية، فإنهم سيستطيعون أن يشددوا الخناق عليها. أما إذا بقيت حالة الانقسام قائمة، فهذا المشهد سيغري نتنياهو بمزيد من التماهي والتغول في تنفيذ سياسات العدوانية ضد الشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته.
المشهد خلال 2023 سيفرض على الفلسطينيين مسؤوليات كبيرة جمة وتحديات أكبر، وكما يقول المثل: “ما حك جلدك مثل ظفرك”. يجب أن يبدأ التغيير من الحلقة الفلسطينية أولاً، بترتيب الأوراق الداخلية كي يستطيعوا مواجهة نتنياهو وحكومته الفاشية العنصرية كي لا تعربد وتفعل ما تشاء.
في الوجهة المقابلة، الميدان لن يكون خالياً لنتنياهو وغطرسته؛ فهناك شعب فلسطيني حي ومقاومة قوية لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه الإجرام الإسرائيلي المتوقع نتيجة تطبيق برنامج هذه الحكومة، فالمقاومة ستكون على أشدها ضد الاحتلال وجرائمه، وهذا ينسجم تماماً مع الاستعدادات القائمة وتحذيرات القائد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، الذي أكد أن المقاومة ستكون أمام تحديات حماية القدس والأقصى وتحرير الأسرى، والتحذيرات الأخرى التي أطلقها يحيى السنوار، والتي أكد فيها أن عام 2023 سيشهد استحقاقات وطنية كبرى على صعيد القضايا الوطنية مع “إسرائيل”.
الميادين نت