فورين أفيرز: نشوب حرب بين القوى العظمى أمر غير مستبعد
حذر عالم سياسة أميركي من احتمال نشوب حرب بين القوى العظمى في العالم؛ ذلك أن الظروف الحالية تجعل ذلك أمرا ممكنا.
وقال أستاذ الشؤون الدولية بجامعة “تكساس إيه آند إم” كريستوفر لين إن عدم اندلاع مثل ذلك النزاع -منذ أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها عام 1945- ملفت للنظر، لكن ذلك لا يعني على أي حال أن وقوع صراعات من تلك الشاكلة أمر مستبعد.
وأضاف أنه رغم محاولات السياسيين والأكاديميين استبعاد نشوب حرب بين القوى العظمى لما تمثله من تهديد حقيقي، فإن الظروف التي تجعلها ممكنة الحدوث ما تزال قائمة.
وأوضح في مقال نشرته مجلة فورين أفيرز (Foreign Affairs) الفصلية أن استمرار التوترات الحالية بين القوى العظمى -لا سيما بين الولايات المتحدة والصين- ووجود بؤر مشتعلة في مناطق من العالم؛ من شأنها أن تثير صراعا بينها.
ويعتقد الأكاديمي الأميركي أن الولايات المتحدة والصين -على وجه الخصوص- في طريقهما نحو التصادم، وأن ما يذكي جذوة الصراع بينهما هي ديناميات تحول النفوذ والهيمنة وتنافسهما على المكانة الدولية.
وما لم يحدث تغير في ذلك المسار -حسب كريستوفر لين- فإن الحرب بين الدولتين في العقود القادمة ليست ممكنة فحسب، بل ومحتملة الوقوع أيضا.
وحتى في خضم احتدام التنافس الجيوسياسي بين الولايات المتحدة والصين، فإن معظم الأميركيين -ممن يفكرون بجدية في السياسة الخارجية والإستراتيجية الكبرى لبلادهم- يعتقدون أن الحرب ليست احتمالا واردا.
وحسب كاتب المقال، فإن هذا التفاؤل يستمد جذوره بالدرجة الأولى من العديد من النظريات المتعلقة بسلوك الدول. وتقول أولى تلك النظريات إن المستوى العالي من الترابط الاقتصادي بين البلدين يقلل خطر اندلاع صراع عنيف بينهما.
لكن الكاتب يعود فيقول إن التاريخ يقدم العديد من الأمثلة التي تتناقض مع تلك الفرضية؛ فدول أوروبا لم تكن على ترابط اقتصادي واجتماعي أكبر مما كانت عليه قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى، واقتصادات الدولتين الرئيسيتين المتورطتين في تلك الحرب (بريطانيا وألمانيا) كانتا على ارتباط وثيق فيما بينهما.
وحتى إن قلّل الترابط الأميركي الصيني خطر الحرب من الناحية النظرية -وفقا للكاتب- فإن العلاقات الاقتصادية بين الدولتين بدأت التحلل في السنوات الأخيرة، حيث شرعت كل منهما في فك ارتباطها باقتصاد الأخرى.
إن الاعتقاد باحتمال نشوب حرب بين قوى عظمى نابع أيضا من الثقة في قوة الردع النووي؛ فالخوف من حدوث دمار متبادل مؤكد ناجم عن حرب نووية كان لها دور أكيد في الحيلولة دون تحوّل الحرب الباردة إلى حرب ساخنة، على حد تعبير المقال.
غير أن التقدم في المجالات التكنولوجية في العقود الأخيرة أضعف قوة ذلك الردع، وأسهم تواجد رؤوس نووية تكتيكية ذي قوة تفجيرية متدنية مع منظومات عالية الدقة لنقلها في جعل المستحيل ممكنا؛ أي نشوب حرب نووية “محدودة” لا تسفر عن دمار مروع.
أما النظرية الأخرى التي تتعلق بسلوك الدول، فتتمثل في زعم الباحثين أن النظام العالمي الليبرالي سيحافظ على السلام. واستنادا إلى هذه المقولة فإن الريادة الأميركية في العالم -عبر المؤسسات متعددة الأطراف كالأمم المتحدة، ومنظمة التجارة العالمية، وصندوق النقد الدولي- وشيوع مبادئ التعاون السلمي؛ توفر جميعها التناغم والقدرة على التنبؤ في ما يتعلق بقواعد السلوك الدولي.
كريستوفر لين: إذا لم تتنازل أميركا من هيمنتها والاعتراف بالصين كقوة عظمى شريكة ستعجل باندلاع حرب تتضاءل أمامها الكوارث العسكرية (رويترز)
ويمضي الكاتب إلى القول إن النظام العالمي الليبرالي يواجه تحديات ليس في التغيرات التي تطرأ على الديناميات أو القوى العالمية المحركة وحدها، بل بسبب التطورات السياسية في الدول التي دأبت على الدفاع عنه.
ففي الولايات المتحدة وأوروبا جاء صعود الحركة الشعبوية والديمقراطية غير الليبرالية ردّ فعل يعارض النظام العالمي الراهن والنخب المدافعة عنه والمنتفعة منه.
ويزعم كريستوفر لين أن التاريخ يقف شاهدا على أن القيود التي تحد من نشوب حرب بين القوى العظمى هي الآن أوهن مما تبدو عليه في الغالب. وضرب مثلا على ذلك بالتنافس القديم بين بريطانيا وألمانيا الذي بلغ ذروته في الحرب العالمية الأولى عام 1914.
وتظهر تلك الحرب كيف يمكن لقوتين عظميين أن تنزلقا إلى أتون صراع “حتمي” بدا بعيد الاحتمال إلى أن حدث بالفعل. ولعل أوجه التشابه في التنافس بين الولايات المتحدة والصين يبدو اليوم أكثر وضوحا.
ويرى الكاتب أن بروز الصين حاليا كان بدافع الرغبة في الانتقام من الإهانة التي تلقتها جراء الهزيمة من البريطانيين والفرنسيين في حربي الأفيون التي اندلعت في منتصف القرن 19.
وكان برنامج “الإصلاح والانفتاح” الذي صاغه نائب رئيس مجلس الدولة دينغ شياو بينغ في سبعينيات القرن الماضي أول خطوة في عملية الانتقام تلك، حسب كريستوفر لين، الذي يدعي أن الصين انضمت إلى النظام العالمي ليس بهدف الحفاظ عليه، بل بنية تحديه من داخله.
ويخلص المقال إلى أن العلاقات الأميركية الصينية تتهاوى في تداعٍ حر؛ فالروابط الاقتصادية بين البلدين تواجه صعوبات جمة جراء الحرب التجارية التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على بكين، ونتيجة لسياسته الرامية إلى إخراج الشركات الصينية -مثل هواوي- من المجال التجاري، حسب “الجزيرة”.
جذور الحرب
ومن غير المحتمل -في رأي الكاتب- أن تتخلى الصين عن هدفها المتمثل في أن تصبح الدولة المهيمنة في شرق آسيا، مشيرا إلى أن بكين تصر على أن توليها الولايات المتحدة الاحترام اللازم بوصفها قوة عظمى مثلها.
ولكي تتجنب الولايات المتحدة حربا، فإن ذلك يتطلب منها تلبية رغبات الصين؛ بما يعني التنصل من الضمانة الأمنية التي توفرها لتايوان، والاعتراف بمطالبة الصين بضم تايوان إليها.
كما أن على واشنطن أن تتقبل حقيقة أن قيمها الليبرالية ليست عالمية، وعليها الكف عن التدخل في شؤون الصين الداخلية، حيث درجت على إدانة سياسات بكين في هونغ كونغ وإقليم شينجيانغ.
ومع ذلك، فإن كريستوفر يستبعد في مقاله أن تتخذ الولايات المتحدة تلك الخطوات، لأن ذلك يعني الإقرار بنهاية هيمنتها وسيادتها على العالم، “وهذا ما سيجعل نشوب حرب ساخنة احتمالا أرجح من أي وقت مضى”.
وإذا تنازلت الولايات المتحدة عن هيمنتها في شرق آسيا سلميا، وأقرت بمكانة الصين كقوة عظمى مساوية، فإن احتمال الحرب سيظل غير محسوم، وإذا لم تفعل واشنطن فإنها بذلك “تُعجِّل باندلاع حرب تتضاءل أمامها الكوارث العسكرية” التي حدثت لها في فيتنام وأفغانستان والعراق، طبقا لكريستوفر لين في ختام مقاله.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية