في الربوة : يتنفس أثرياء دمشق وفقراؤها !
حاصرت الحرب أبناء دمشق من جهاتها الأربع، ففي محيط المدينة اشتعلت النار منذ عام 2011، وتركت السكان في إسوارة من الخوف والموت والقلق، فنسي أبناء المدينة تفاصيل يومية كانت جزءا مهما من الحياة ، كالتسوق والتنزه والعلاقة الوطيدة بين أهل المدينة والريف المحيط بها، وأقسى اللحظات هي تلك التي شعر فيها السكان أن التزام بيوتهم هو أفضل وسيلة للاطمئنان !
الحرب اليوم تتراجع، ورغم أن التراجع واضح وملموس:
عسكريا بوقف النار والهدنة، وسياسيا بمفاوضات تسيطر عليها عملية الشد والرخي والتداخل الدولي والاقليمي..
ورغم أن كل مظاهر الخوف والقلق التي قضت مضجع السوريين خفت إلى درجة كبيرة، إلا أن حصة الاستقرار الأساسية من تفاصيل الحياة لم تعد كما كانت ! كان طريق مطار دمشق الدولي، واحدة من أهم أماكن التنزه عند السوريين ، فهو يفتح على الغوطة طرقا تغص بالجمال والأمان والمطاعم والمنتزهات الشعبية ، وعلى جانبيه كانت تتوزع عشرات المطاعم التي يحتشد فيها الدمشقيون وزوار المدينة في كل الأوقات وخاصة في أوقات العطل والجمعة ..
وفي طريق دمشق القنيطرة يمر الزائر بمنتجعات وفيلل لا عد لها ولاحصر أبرزها في خان الشيح ودروشا .. أما طريق الزبداني، فهو واحد من أهم الطرق الاستراتيجية السورية لأنه يصل دمشق ببيروت وتتوزع فيها المصايف الشهيرة كبلودان وعين الخضرة وعين الفيجة واليعفور ..
لم يبق شيء من هذا … والدمشقيون يحتاجون إلى التنفس!
طريق الربوة يكشف السر، فهذا الطريق لايزيد عن أربعة كيلو مترات ، تبدأ من ساحة الأمويين وتنتهي عند مشروع دمر لأن الذهاب أبعد يعني الاقتراب من قدسيا والهامة التي لم تنته فيهما المصالحات ..
يمكن للزائر أن يعد بالخطوات ماتبقى لسكان دمشق من فسحة التنفس تلك : إنها تبدأ من مفرق الربوة الذي يعرف جيولوجيا بفج الربوة، باتجاه الغرب لتصل إلى مفرق مطعم القصر القديم ، يجلس المواطنون على جانبي الطريق في مساحات مخصصة للجلوس، وهناك مطاعم لاتكفي للازدحام الفعلي ، وخاصة عندما فاحت رائحة الربيع في دمشق وكسرت حدة البرد ..
سكان مدينة دمشق ، أعادوا لطريق الربوة حيويته، فإذا هو يتسع، رغم ضيقه، يتسع كقلب عاشق دمشقي لكل من يود الذهاب إليه، فإذا كان ممن فتح الله عليه أثناء الحرب، فأصبح ثريا، فإن ثمة مطاعم تستقبله وتقدم له ما يحتاج من أطعمة غالية يزيد سعر الوجبة فيها عن 3000 ليرة، وإذا كان متوسط الحال، فثمة مطاعم تناسبه، أما إذا كان فقيرا، فهناك خياران أمامه، فهناك فقير يمكن أن يأخذ طعامه وشرابه وأسرته ويجلس في مطاعم تأخذ أجرة الجلوس (150 ليرة للفرد) ، وإذا كان ذلك صعبا عليه، فيمكن أن يجلس في المساحات المتبقية من الأرصفة ويشرع النراجيل وأدوات التنزه من أباريق وماء وشاي وقهوة وأطعمة من البيت..
الجميع يعيشون في رئة واحدة ، يمر الثري فيشاهد الفقير جالسا مع أسرته على الرصيف، فيحييه ويمضى إلى مقصده، والطريف أن هذا الثري راض في نزهته وذاك الفقير راض في مشواره ..
والربوة قلب كبير يتسع لكل هذه التناقضات ، وتنصت لتدفق مياه بردى وهي تسابق حركة الزمن منذ أنشأ يزيد الفرع السابع للمدينة من نهر بردى ،، ووصولا إلى العصر الحالي حيث أغلقت دمشق على أهلها من أجل ((ربيع عربي)) لم يزهر، بل جعل الكآبة تخيم على ملايين السكان !!
هذا ما تحكيه الربوة اليوم .. تحكيه وتبدو جميلة كعادتها !