تحليلات سياسيةسلايد

في الفالوجا: الانتقام الأعمى

يوسف فارس 

لم يَنتظر أهالي مخيم جباليا، انسحاب قوات العدو بشكل كلّي ليعودوا لتفقُّد منازلهم؛ فبعدما تراجعت الدبابات الإسرائيلية قليلاً من الأطراف الغربية للمخيم، وتحديداً حيّ الفالوجا، شقَّ المئات الطرق الالتفافية وعبروا من بين الأزقّة، وصولاً إلى أطراف الحيّ الذي تحكم طائرات «الكواد كابتر» سيطرة نارية عليه. في الطريق إلى هناك، يسيطر عليك شعور جارف، بأنها المرّة الأخيرة التي ستدوس فيها أقدامك شبراً من المخيّم، غير أن ثمّة قوّة جاذبة تدفعك إلى المغامرة.

حين وصلنا إلى منطقة أبو شرار في حيّ الفالوجا، بدا واضحاً الهدف الأبرز من العملية البرية: المئات من المنازل والأزقة تحوّلت إلى ركام. ولكن الجديد، هذه المرّة، هو أن دبابات العدو المأهولة، لم تدخل بشكل فعلي إلى المنطقة المدمّرة التي وصلنا إليها، حيث ستلاحظ أن جلّ المنازل المدمّرة، تقاسمت الطائرات الحربية وقذائف المدفعية مهمّة تخريبها، إلى جانب المجنزرات غير المأهولة، حيث زجّ جيش العدو هذه المرّة بالعشرات منها. وتلك الأخيرة، تقتحم المنازل والأبنية، وهي محمّلة بنحو 4 آلاف كيلوغرام من الديناميت، قبل أن يجري تفجيرها عن بعد، لتحدث خراباً يأتي على عدد كبير من المباني.الطبيعة العمرانية لمنطقة الفالوجا متشابهة على نحوٍ كبير: آلاف المنازل الضيّقة تفصل بينها شوارع لا يتجاوز عرضها الـ80 سنتمتراً؛ وتلك الطبيعة تفسّر ما يمكن أن يُحدثه انفجار قنبلة واحدة بين الأبنية. في الطريق بين الأزقّة والشوارع الفارغة، لن تلحظ أيّ معلم للحياة، وحدهم المقاومون لم يبرحوا المكان.

على أطراف الحيّ، وتحديداً في حي «بئر النعجة»، يتبدّى ما يواصل جيش العدو فعله في المخيم: سحب هائلة من الدخان الرمادي، وأخرى من الدخان الأسود، فيما تفيد شهادات من استطاعوا الخروج أخيراً، بأن الاحتلال يواصل نسف مربعات سكنية بأكملها، إذ تقول النازحة أم عامر التي التقيناها في طريق عودتنا من الفالوجا، إن «الدبابات دمّرت بلوكات كاملة وحوّلتها إلى مساحات فارغة، فيما المنازل التي سلمت من التدمير، أُحرقت بشكل كلّي».

أمّا الدكتور حسام أبو صفية، مدير مستشفى «كمال عدوان»، فيؤكد أن جثامين العشرات من الشهداء ما زالت ملقاة في شوارع المخيّم، حيث تمنع قوات الاحتلال سيارات الإسعاف من الوصول إلى هناك. ويقول أبو صفية، في حديثه إلى «الأخبار»: «أطلق جيش الاحتلال أخيراً النار على طبيب أثناء قيامه بواجبه، ما تسبّب بإصابته إصابة بليغة، وحينما حاولت طواقم الإسعاف الوصول إليه لإخلائه، هاجمتها طائرات الكواد كابتر مجدّداً (…) الوضع الصحّي في مخيم جباليا والأحياء المحيطة به كارثي جدّاً. نحن نعمل من خلال نقطة طبية مستحدثة في حي الشيخ رضوان، ومنها نقدّم الخدمة الأولية لكل مناطق الشمال».

في أقرب نقطة من المخيم ومن حيّ الفالوجا، حيث يحتشد الآلاف من المواطنين، يتحدّث الأهالي عن مشاهداتهم في آخر مكان استطاعوا الوصول إليه، ويتبادلون في ما بينهم ما التقطوه من صور للمنطقة قبل أن تداهمهم قذائف المدفعية. ستجلس طويلاً وأنت تستمع: الحديث الوحيد هو الدمار، وما تخبّئه الأيام المقبلة من شتات جديد، بعدما أضحى مئات الآلاف من النازحين بلا مأوى.

 

 

صحيفة الاخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى