في سجن المزة

 

 

فوجئت بهذه الصور في مجموعة كبيرة منها لسجناء من جماعة سلمان مرشد و آخرين من الحزب الشيوعي و معارضين سياسيين مستقلين صادفتهم في سجن المزة الشهير على الهضاب و كان سجنا عسكريا كما قيل لي فيما بعد ثم علمت أن السلطات الحاكمة المتنوعة جعلته للجميع عسكر و مدنيين. المهم أنها كانت مجموعة طريفة أقبلوا علي حين عرفوا أنني أتقن رسم الوجوه و لبّيت لهم مطالبهم  وإحتفظت بعدد كبير منها نسختها عن الأصل للذكرى والتاريخ لثاني حبسة لي.  كانت الأولى أيام العهد الناصري والوحدة بين سوريا و مصر و الثانية بعد الإنقلاب العسكري الشامي على الوحدة وهذه  الصور المنشورة هنا من العهد الشامي و سمي كذلك لأن الضباط الذين قاموا به كانوا جميعا من دمشق … و كانت بالنسبة لي حبسة قصيرة لم تدم سوى ثلاثة أشهر لم يحصل فيها أي تعذيب و تحقيقات قاسية ، كانت مجرد حبسة هدفها منع السياسين الخطرين بالنسبة للحكام الجدد من المشاركة في الإنتخابات البرلمانية الجديدة … و لا بأس أن أعطيكم فكرة عن كل واحد منهم …

” فسعيد حورانية ” كان كاتبا معروفا و أصله من سكان حي الميدان المتطرف في دمشق و”  موفق الحفار ” موظف كما أذكر ينتمي إلى أسرة معروفة جدا من التجار و الملاكين أو ما يسمى بالطبقة البرجوازية الراقية و ” عدنان قرة جولي ” موظف بسيط و هاوي كتابة المقالات القصيرة  و بعض الأشعار الغرامية و الإجتماعية أما ” محمد جاجة ” و كانوا ينادونه ” أبو حيان ” و ” طنوس سلوم ” و لا أذكر عمله أما السجان الطريف الذي دبر لي الأوراق الصالحة للرسم و قلم رصاص و آخر حبر فإسمه كما هو مسجل في أسفل الصورة   ” صبري فاروسي ” و كان يدخن بإستمرار و يعطينا أحيانا سجائر من عنده … يالها من أيام لا تنسى بالرغم من أنها صارت قديمة أي لفترة الستينات في السجن يصبح جميع الموجودين مثلا في مهجع واسع أو غرفة كبيرة يصبحون أصدقاء مرحين و خاصة إذا كانت حبسة قصيرة و لا تعذيب فيها … و أكثر ما يلفت النظر في هذه الأزمات أنها تكشف إلى حد كبير نوع الشخص فأنا أذكر مثلا حتى الأن  أن السجان صبري فاروسي كان شابا ظريفا و كريما جدا و موفق الحفار لاعب شطرنج ماهر ، و محمد جاجة ” أبو حيان ” و هو حمصي كما أذكر رجل شعبي شهم في كل تصرفاته أما طنوس سلوم – المسيحي الوحيد – فقد نسيت تماما نوعيته سوى أنه صموت و رب عائلة وفّي لها و لرفاق السجن .

السجن تجربة مريرة و لكنها مناسبة تعلمّ السجين على قسوتها  كحرمان من الحرية أصلا والإهتمام الجدي برفاق السجن و إحترام السجين السياسي حتى لو كان مختلفا عنك في عقيدته..

هكذا هاجمتني الذكريات التي تعلمت منها الكثير من فهم البشرعموما و كيف يمكن معاشرتهم بعمق و تقدير معنى الحرية الحقيقي …

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى