في سوريا: «نزوح عكسي» باتجاه «دراما الداخل»
حين بدأت الحرب السورية، تسبّبت الانقسامات السّياسية في إسقاط الحصانة الشعبية عن العاملين في حقل الدراما، وباتت اتهامات التخوين والتشبيح تُكال لهم جزافاً. تضييق بعضُ أجهزة الأمن السورية، وانعدامُ الأمان في شوارع العاصمة، والتخوّف من أن يُصيب الشلل الصناعة الدراميّة، أدّت إلى خسارة الدراما السورية كفاءات ونجوماً فضّلوا الاستقرارَ في لبنان والبحثَ عن فضاءات عملٍ جديدة.
الحديث عن أزمة نصٍّ في «دراما الداخل» لم يجد مَن يلتفت إليه. فؤاد حميرة انصرف عن الكتابة إلى غير رجعة، أمل حنّا تشعر أنّها فقدت أدوات التّواصل مع الشّارع وقضاياه. سامر رضوان غائبٌ منذ أعوامٍ ثلاثة لأسباب عدّة. منذ إنجازها «رسائل الحبّ والحرب» لم تكتب ريم حنّا نصّاً سوريّاً، ولم يستطع «لعبة الموت»، الّذي كتبته ضمنَ القالب التجميعي للأعمال المُشتركة أن يعيد لها شيئاً من مجدِ «ذكريات الزمن القادم».
الكتّاب ليسوا وحدهم من وجدوا أنفسهم، راضين أو مكرهين، خارج المشهد الدراميّ السوري. فبعضُ المخرجين أيضا،ً جرّبوا حظّهم في أمكنةٍ مختلفةٍ لا ينال منها الرّصاص. لم ينجذب حاتم علي إلى الدراما المشتركة. واضحٌ أنّه لم يستطع أن يتعامل مع نصٍّ يدير ظهره للوجع السوريّ. هذا التشبّث أجبر صاحب «الزّير سالم» على جلب دمشق إلى بيروت (درامياً)، واللجوءِ إلى ألف حيلة لتصوير مسلسل «قلم حمرة» 2014 (آخر ما كتبته يمّ مشهدي). لم يحظَ العمل بفرصِ عرضٍ لائقة على الرغم من توليفة النجوم الحاضرة فيه. تالياً، التفت علي إلى سلسلة «العرّاب» بجزءيه «نادي الشّرق» 2015 و «تحت الحزام» 2016، ليجد نفسه أمام المشكلات ذاتها، فدمشقُ واحدة، لا تُقارَب ولا تُصنَع.
سامر البرقاوي اختار العمل على صنف الدراما المشتركة. «لو»، و «تشيلّو»، و «نصّ يوم». استطاعت هذه المشاريع أن تُحقّق انتشاراً جماهيرياً كبيراً، على الرغم من النقد الواسع الّذي طالها في مفاصل عدّة.
كان مسلسل «بنات العيلة» 2012 (نص رانية بيطار) آخر ما أخرجته رشا شربتجي على مستوى الدراما السورية. صاحبة «أشواك ناعمة» أنجزت نصّاً خليجياً بعنوان «وش رجّعك»، ثمّ انصرفت إلى بيروت لتنجز مسلسلَي «علاقات خاصة» و «سمرا». لم يحقّق العملان نصفَ الصدى الّذي حقّقته تجربة شربتجي في «زمن العار» و «ولادة من الخاصرة». مفاعيل أعمالها المشتركة كانت تلاشت مع عرضِ الحلقة الأخيرة.
تيم حسن، وباسل خيّاط، وعابد فهد، وقصي خولي، ومكسيم خليل، جميعهم لم يشتغلوا عملاً واحداً في الداخل السوريّ منذ بداية الأزمة. الأسباب مختلفةٌ ومتفاوتةٌ بلا شك، لكنّ غيابهم خلّف فراغاً دفع المخرجين للاعتماد على البدائل الّتي بدأ بعضها يسير على دربِ النجومية بخطواتٍ ثابتة (محمود نصر مثلاً).
كان مسلسل «الأمّيمي» (2012) آخر ما أنجزته الممثلة كاريس بشّار في دراما الداخل قبل أن تغادر دمشق وتستقرّ في بيروت، ومثلها فعلت سلافة معمار بعيد إنجاز «أرواح عارية» في العام ذاته. باستثناء «غداً نلتقي»، الفريد في كلّ شيء، لم تترك تجارب كلتا النجمتين السوريتين خارج البلاد أثراً يُذكر.
واضحٌ أنّ الدراميين السوريين أدركوا أنّ الأعمال المشتركة لا يُمكن أن تعودَ على صاحبها بتصفيقٍ أصيلٍ يشبه ذاك الّذي كان يحصل عليه بعيد إنجازِ عملٍ سوريّ وفيّ لبيئته بكلّ تفاصيلها. فمنذ سنتين تقريباً بدأ «النزوح العكسي». سلّوم حدّاد، وسلافة معمار، وكاريس بشار كانوا أولّ العائدين.
الليث حجّو لم يُدِر ظهره لدراما الداخل أصلاً، حيث صوّر «الحقائب» 2014، و «النّدم» 2016 في دمشق، ومثله فعل المثنّى صبح الّذي لم يغادر سوريا إلّا في العام الماضي. قبل ذلك، كان صاحب «على حافة الهاوية» ملتزماً بالعمل في دراما الداخل. بعضُ المعلومات تُشير إلى أنّه يتحضّر لإنجازِ عملٍ سوريّ لصالح «سما الفنّ» في النصف الثاني من الموسم الدراميّ.
حاول سامر البرقاوي جاهداً أن يخلق فرصاً معقولةً لإنجازِ مسلسلٍ سوري قبيل العودة إلى بيروت للبدء بتنفيذ عملٍ جديدٍ مطلع العامِ القادم. لكنّه لم يحصل على نصٍّ يُرضي رغبته في تقديمِ منجزٍ سوريّ لائقٍ بعد غيابٍ طويل. أمّا رشا شربتجي فتتحضّر لتصويرِ مسلسل «شوق» داخل سوريا، وبأبطالٍ سوريين، عن نصّ لحازم سليمان احتضنته شركة «أيمار الشام» الجديدة.
استطاعت الدراما السورية أن تقدّم بعضَ الأعمال المضيئة على الرغم من الظروف القاسية الّتي مرّت بها خلال الأعوامِ القليلة الماضية. أغلبُ المتابعين صاروا على يقينٍ بأنْ لا مَجد يُصنَع بعيداً عن مفردات الهوية في النّص والجغرافية والإنتاج. الأكيد أنّ مزيداً من الهدوء سوف يُعيد مزيداً من الغائبين، أو المغيّبين، إلى دراما الداخل.
صحيفة السفير اللبنانية