«فيتو» أميركي على اجتياح رفح: عودة التفاؤل بمفاوضات الدوحة
من دون مقدّمات، عادت التحرّكات الأميركية في ما خصّ ملف الهدنة وتبادل الأسرى في قطاع غزة، لتوحي بإمكانية تحقيق اختراق قريب، خاصة أن رئيس «الموساد»، ديفيد برنياع، سيتوجه، اليوم، إلى قطر، للقاء الوسطاء الأميركيين والمصريين والقطريين. ويأتي ذلك في ظل تسريبات مصدرها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عن ضغوط أميركية هائلة تمارس على «الوسطاء» لتحقيق اختراق، في حين لم يصدر عن حركة «حماس» أي شيء رسمي بخصوص استئناف المفاوضات، حتى مساء أمس.وحينما عاد بارنياع إلى إسرائيل من الدوحة فجر الثلاثاء الماضي، بعد ساعات من وصوله إليها حيث عقد مفاوضات غير مباشرة مع وفد «حماس» بوساطة مصرية وقطرية وبغياب الوفد الأميركي، عكست وسائل الإعلام الإسرائيلية فشل تلك المفاوضات. آنذاك، سلّمت إسرائيل ردّها على الاقتراح الأخير الذي كانت قد وافقت عليه «حماس»، وكان الرد سلبياً لاشتماله على رفض العدو الكثير من النقاط، ولا سيما في ما يتعلق بعودة النازحين إلى شمال غزة في المرحلة الأولى، ومدى انسحاب قوات العدو من القطاع في تلك المرحلة، ومن ثم إعطاء ضمانات بشأن وقف دائم لإطلاق النار وانسحاب القوات الإسرائيلية بشكل كامل، في المراحل اللاحقة.
لكنّ هذه المرة، سيجتمع بارنياع في الدوحة مع مدير وكالة «سي آي إي»، وليام بيرنز، ورئيس الوزراء وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ورئيس جهاز الاستخبارات المصري، عباس كامل. وعشية مغادرته، اجتمع نتنياهو ببارنياع، في وقت تحدثت فيه «القناة 12» العبرية عن «ضغوط أميركية هائلة على الوسطاء للبدء بالتحرك بسرعة كبرى»، مستدركةً بأن «أعضاء مجلس الحرب يوآف غالانت وبني غانتس وغادي آيزنكوت، سمعوا عن مغادرة رئيس الموساد إلى الدوحة من وسائل الإعلام»، ما يعني أن نتنياهو يتفرّد بإدارة ملف المفاوضات، وهو أشد تطرفاً من باقي أعضاء المجلس، ما قد يحدّ من «التفاؤل».
وإذ لم يصدر شيء رسمي عن «حماس» في خصوص المفاوضات حتى مساء أمس، أكد وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الذي افتتح جولة جديدة في المنطقة بلقاء الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أن «الحركة سلّمت ردها على المقترح الذي تم وضعه، ونحن ندفع للتوصل إلى اتفاق في الدوحة». إلا أنه قال «إننا لا نزال نواجه تحدّيات لتقريب المواقف من أجل التوصل إلى اتفاق»، مضيفاً أن «نظراءنا من مصر وقطر يعملون مع مبعوثينا لتقريب وجهات النظر». وفي تحوّل لافت هو الأول من نوعه منذ بداية الحرب، اعتبر بلينكن أنه «يمكن التعامل مع حماس من دون عملية عسكرية إسرائيلية كبيرة تكتسح رفح»، مؤكداً «أننا كنا واضحين في موقفنا من أن أي عملية برّية في رفح ستكون كارثية». كذلك، رأى أن «هناك إجماعاً بشأن الأولويات، وأُولاها الحاجة إل وقف إطلاق نار فوري مستدام في قطاع غزة».
بلينكن: يمكن التعامل مع «حماس» من دون عملية عسكرية إسرائيلية كبيرة تكتسح رفح
وينعكس مستوى الضغط الأميركي على إسرائيل في طلب بلينكن المشاركة في اجتماعين مع مجلس الحرب الإسرائيلي والمجلس الوزاري المصغّر، كان مقرراً عقدهما أمس وأرجئا بصورة مفاجئة. كذلك، شملت زيارة بلينكن اجتماعاً مع وزراء عدد من الدول العربية «الشريكة» ومنها السعودية والإمارات ومصر والأردن وأمين سر «اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير» الفلسطينية، حسين الشيخ. وصار معروفاً أنه عندما يحضر هؤلاء الوزراء، يحضر معهم الحديث عن «اليوم التالي» بعد حرب غزة، والذي يراد لهم المشاركة فيه من حيث الترتيب والتمويل بما يضمن مصالح إسرائيل. وفي هذا السياق، قال الوزير الأميركي إن «مسار تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية يحرز تقدماً».
ما يتضح من ذلك كله، أن ثمة تحرّكاً أميركياً مكثفاً وضاغطاً في محاولة للتوصل إلى ترتيبات، ليست مرتبطة بما تحمله الأحداث في الشرق الأوسط من مخاطر على مصالح الولايات المتحدة فحسب، وإنما بانعكاس ذلك على أداء الرئيس جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية في الخامس من تشرين الثاني المقبل، حيث يصعب تصوّر الوصول إلى يوم الانتخابات في ظل الحرب التي قد تغيّر المشهد الانتخابي كلياً، ولا سيما إذا أحجم ذوو الأصول العربية والإسلامية وغيرهم ممن تأثّروا بأحداث غزة عن الذهاب إلى الصناديق في اليوم الموعود، ما سيجعل بايدن فريسة سهلة لمنافسه دونالد ترامب.
من هنا، فإن جزءاً من التحرّك يستهدف ترويض نتنياهو، وهو مصدر الخطر الأساسي على بايدن، من دون أن يعني ذلك أن الأخير يستطيع إدارة الظهر لمصالح إسرائيل، وهي عنصر أهم في الانتخابات نفسها. ولذا مثلاً، سيشمل التحرّك الأميركي في الأيام المقبلة، محطات، منها زيارة غالانت، وزير الحرب الإسرائيلي، للبنتاغون، وكذلك محادثات الوفد الإسرائيلي الذي جرى الاتفاق على إرساله إلى واشنطن في المكالمة الأخيرة بين بايدن ونتنياهو لبحث الاجتياح الإسرائيلي المزمع لرفح، والذي يرى فيه الأول محاذير منها ما يتعلق بتأثير أي هجوم من هذا النوع على فرصه الانتخابية، وعلى الأوضاع في مصر و»معاهدة كامب ديفيد». وربما يطمع بايدن ليس فقط في هدنة، وإنما في ترتيب أبعد مدى يمكن أن يقدّمه كإنجاز يساعده في الانتخابات، على رغم أن أكثر من زعيم في المنطقة ومنهم نتنياهو وولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ليسوا معنيين بتقديم الهدايا له.
ومن ضمن التحرّكات الأميركية التي أشار إليها بلينكن، مشروع القرار الذي تنوي الولايات المتحدة تقديمه إلى مجلس الأمن وتروّج لكونه يدعو للمرة الأولى إلى «وقف فوري لإطلاق النار» في غزة، إلا أنه يربط ذلك بإطلاق سراح الأسرى، في حين رأت مصادر في الأمم المتحدة أن حديث مشروع القرار عن «ضرورة التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار» يخفّف من لهجته.
صحيفة الاخبار اللبنانية