قادمون…..انتظرنا أيّها العالم. انتظِرْنا قليلاً. فإننا قادمون إليك.مشغولون، الآن، ببناء الأيدي التي تصلُ إليك.
مُنكبّون، الآن، على تربية الأقدام التي تحملُنا إليك.
غارقون، الآن، في عمليّة تركيب الجسور التي يعبر عليها صوتُنا إليك.
انتظِرْنا أيّها العالم. انتظرْنا قليلاً. فنحن الآن نتعلّمُ المشي على الأرض. مرة أخرى، نتعلّم المشي. فلا تلعب كثيراً بالكرة الأرضية التي تهتزّ. لا تلعبْ كثيراً. فعمّا قليل يصير بوُسعِنا أن نعيدَها إلى التوازُن – إذا شئت. وعمّا قليل يصيرُ بوُسعنا أن ندفعها إلى الانفجار إذا شئت.
نحن الآن نتعلّم فنّ المشي.
انتظرنا أيها العالم!
ها هو وجهنا يخرج من قاع النيل كحمامةٍ كانت تغرق.
وها هي يدنا تخرج من فرن الصحراء كتحية كانت تحترق.
وها هي روحنا تعود من السبي، ترتدي جسداً من قمح وشمس.. وتعود.
– متى تذكرتم، متى؟ يسألنا العالم.
– حين نسيتنا تماماً – نقول للعالم، ونواصل المجيء.
– ألا تعتذرون؟ يسألنا العالم.
-لن تعطينا المغفرة. إن موتنا وحده، هو الذي يأخذ شكل المغفرة. ونحن نعتذر.. نعتذر لأننا تأخرنا في الرحم، ولكن الولادة عسيرة في هذه الأيام، والجنود الغزاة يحاصرون مدخل الرحم. وأنت الشاهد المحايد أيها العالم.
– القابلة تأتي مع الجنين، من الداخل تأتي القابلة.. من الداخل. وها أنتم تعرفون.
– انتظرنا أيها العالم! انتظرنا قليلاً، فإن الولادة العسيرة، تملأ المدن ونحن قادمون إليك.
– تأخرنا.. تأخرنا لأننا كنا نبحث عن طريق آخر، ولم تُخبرنا أنّ دهاليز الدم الخصبة هي الدرب الوحيد الذي يُفضي إليك. لم تخبرنا أن باب الرحم هو فوّهة البركان.
.. في طريق آخر، سقطت أيدينا في النيل.
وفي طريق آخر وقعت وجوهنا في ليلٍ أغلقت عليه الباب.
وفي طريق آخر، ضاعت دمشق المكان عن دمشق الزمان.
وشاع العقم.
- أيها العالم! لا تصدق أنها حرب.
– ما هي إذن؟ يسأل العالم.
– إنها إعلان الحضور. وإنها طريق الوصول إليك. فللحرية صوت يشبه صوت الحرب، لكنها تختلف تختلف. وإذا كنت حراً أيها العالم، أو إذا كنت تحب الحرية، ستدرك أنها ليست الحرب، ولكنها ضجة الحرية.
انتظرنا أيها العالم، انتظرنا قليلاً، فإننا نتعلم المشي على سطح الكرة الأرضية، ونعيدها إلى التوازن.
حدّق في وجوهنا..
هذا الدم: فرح
وهذا الدخان: حمام.
ومن فوهة هذه البندقية: ينهمر السلام على الأرض الحزينة.
المصدر: «وداعاً أيتها الحرب، وداعاً أيها السلام»،
محمود درويش، 1974
صحيفة الأخبار اللبنانية