قتل الأموات
أقدمت مجموعة من المتطرفين على هدم ضريح الشيخ عبد السلام الأسمر، أحد كبار المتصوفين وأحرقوا المكتبة الملحقة بالضريح الكائن في بلدة زليتن الليبية، ونقلت التلفزيونات وقتها كيف أنّ إحدى المتظاهرات من المندّدين بهذه الجرائم صرخت “ليبيا ليست افغانستان”، فردّ عليها أحد الملتحين: “اذهبي وغطّي رأسك أوّلا يا كافرة”.
ولم تقتصر جرائم انتهاك حرمات المقابر من قبل التكفيريين على الأضرحة الصوفية أو قبور لرموز وطنية وثقافية، بل تعدّتها نحو ديانات وعقائد أخرى، عبر نبش وتدنيس مقابر موتاها في البلدان العربية والإسلامية.
تكرّرت هذه الاعتداءات بالرغم من احتجاجات رؤساء الجاليات المعنيّة والزعامات الروحية والبعثات القنصلية ومنظمات حقوقية وثقافية كثيرة، وبالرغم من الاجراءات الاحترازية في توفير الحراسة والحماية من طرف السلطات الرسميّة.
ويقول أحد المهتمين بهذا الشأن: “كأنّ التطرّف الإسلامي قد تحالف مع اللصوص والمشعوذين وتجار الأعضاء البشرية ليزيد ظاهرة انتهاك المقابر الأجنبية خطورة في العالم العربي والإسلامي” ويورد أمثلة عديدة في هذا الشأن، مثل ما حصل في مدينة طنجة المغربية من أعمال تدنيس استهدفت المئات من مراقد المسيحيين واليهود المدفونين فيها، ووصفتها احدى المرجعيات المؤمنة بقيم الإخاء والتسامح بأنها ” إرهاب ضد الأموات وجرائم بشعة تتناقض مع قيم الدين وكل القوانين البشرية، بل وحتى الحيوانية”.
العصابات الإرهابية تستخدم المقابر كمخابئ للأسلحة والذخائر والتخفّي عن رجال الأمن كما يحصل في القرى المتاخمة للحدود التونسية الجزائرية، وكذلك يعمد السلفيون إلى تخريب المقابرغير الإسلامية، ويعتبرون ذلك واجبا جهاديّا مقدّسا، ويقول في هذا الصدد محسن دعموني وهو ناشط حقوقي من مدينة سيدي بوزيد التونسية “انا أعرف مقبرة للمسيحين بسيدي بوزيد، عند المخرج الشرقي للمدينه، أخربت قبورها و بعثرت عظام موتاها بكل تشفّ من طرف السلفيين، ومن موتى لا يعرفونهم حتى “.
انتهاك حرمات المقابر جريمة لا تقتصر على الجماعات الإسلامية، بل يشاركهم فيها متطرفون من ديانات أخرى كالشبان المحسوبين على الحركات النازية والفاشية في أوروبا، وإقدامهم على تدنيس وتشويه قبور المسلمين واليهود، والذين بدورهم قد أقدمت جماعات متطرفة منهم في إسرائيل على انتهاك حرمة المقابر الإسلامية، وقد اتهمت مؤسسة الأقصى لأعمار المقدسات الإسلامية “وفود يهودية” بانتهاك مساجد ومقابر في القدس وغيرها.
وقالت المؤسسة أنها وبعد تلقيها معلومات عن تلك الانتهاكات، أرسلت طاقم مختص ليتفحص المواقع فوجد أن مقبرة قرية الولجة ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ تتعرض لانتهاك مستمر لحرمتها، وأشارت إلى انه “تم حفر ونبش الكثير من القبور، والعبث بالعظام التي في داخلها، وإلقاء زجاجات الخمر داخل القبور، وأضافت “الانتهاك لم يتوقف عند هذا الحد بل إنّ جماعات يهودية تصل إلى عين ماء ملاصقة لمسجد الولجة، كان يستعمل كمتوضأ للمصلين قبل تهجير وهدم القرية، وتقوم بعملية ” التعميد ” اليهودي، وقال ” إنّ هذه المجموعات اليهودية تقوم باستفزازات مستمرة لأهل قرية الولجة الذين كثيرا ما يزورون قريتهم للتواصل معها، وأضافت المؤسسة المعنيّة: ” لا يكفي ما حصل من هدم وتشريد للقرية وأهلها وهدم لبيوتها والجزء الأكبر من مسجدها، واليوم تقوم هذه المجموعات اليهودية بانتهاك حرمة مسجدها ومقبرتها بشكل يومي دون أن تراعي حرمة لمكان مقدس أو حرمة لميت.
شهود عيان تحدّثوا عن هلال وصليب على قبر واحد ومهدّم لرجل مسلم وزوجته المسيحية في مدفن للأجانب بإحدى المدن العربية، وقد عاث فيه المتطرفون فسادا، ولعلّ في هذه الصورة رسالة واضحة حول جدوى قيمة التسامح وضرورة محاربة التعصّب.