قراءة في كتاب باتريك كوكبيرن: «داعش.. عودة الجهاديين»

تناول باتريك كوكبيرن، مراسل صحيفة «الإندبندت» البريطانية في الشرق الأوسط، في كتابه الصادر أخيرا بعنوان : «داعش عودة الجهاديين» عن (دار الساقي) الأسباب التي أدت إلى فشل الحرب على الإرهاب في سوريا والعراق والعالم العربي عموما، التي شُنت وتُشن بقيادة أمريكية متحالفة مع جهات أخرى.

وبصراحته المعهودة وجرأته في عرض الوقائع وتقديم التحليلات، التي توصل إليها من خلال خبرة عارمة وزيارات متكررة لمناطق الصراع، خاطر خلالها بحياته، وقابل أثناءها بعض قادة المحاور المختلفة وعددا من كبار المسؤولين، وصل كوكبيرن إلى الاستنتاج بأن الحرب على الإرهاب بقيادة أمريكية فشلت بسبب عدم استهدافها الحركة الجهادية ككل، وتركيزها على فئات منها فقط وكونها لم تستهدف بلدين يرعيان الجهاد كعقيدة وحركة لأن هذين البلدين كانا (وما زالا) حليفين مهمين للولايات المتحدة، ولم تشأ أمريكا مواجهتهما وإغضابهما، لأنهما شكلا ويشكلا سوقا ضخما للأسلحة الأمريكية، ولكونهما يملكان معا قدرة مالية هائلة سهلت لهما استمالة شخصيات سياسية أمريكية وغربية بارزة وذات نفوذ إلى مواقفهما.

وعلى الرغم من أن الكاتب يحدد هاتين الدولتين بالمملكة العربية السعودية وباكستان، فإنه يؤكد في مكان آخر من الكتاب أن السعودية ربما بدلت في الأشهر الأخيرة موقفها الرسمي، إلى حد ما حول انتشار الحركات الجهادية في المنطقة، تجنبا وتحفظا إزاء إمكان وصولها إلى الأراضي السعودية. ولكن هذا الأمر برأيه اقتصر على موقف الدولة وليس في أرجاء المجتمع السعودي، الذي ما زال يعتنق قيما مشابهة للقيم المتطرفة التي يعتنقها قادة وأركان المنظمات الجهادية التي يتزايد نفوذها وتتوسع رقعة سيطرتها في أماكن من سوريا والعراق وغيرهما، والمستوحاة من الفكر الوهابي السلفي الجهادي.

ويعتبر كوكبيرن أن الإرهاب في المنطقة والعالم أصبح أقوى بسبب فشل الحرب ضد الإرهاب التي تقودها أمريكا. ففيما كانت «القاعدة» منظمة محدودة الانتشار لدى حصول أحداث 11 ايلول/ سبتمبر 2001 في نيويورك وواشنطن، فإنها بحلول عام 2014 صارت (تحت اسماء مختلفة) تشكل مجموعة قوية استطاعت إخضاع بلدان كسوريا والعراق لحروب مستمرة، لا أحد يعرف متى ستنتهي. وآخر «إنجاز» لهذه المنظمة (أو المنظمات) كان سقوط مدينة الموصل، ثاني مدن العراق بيد منظمة «داعش».

ويقول الكاتب إن الانقسامات في السلطة في العراق وانتشار الفساد في الإدارة السياسية فيه ساهما بشكل رئيس في نجاح «داعش» وفي قدرتها على التحرك في العراق بقوة أكبر وأسرع مما توقع أحد.

ويضيف قائلا، إن نجاح «داعش» في السيطرة على الموصل كان مفاجأة تامة، حتى بالنسبة لـ»داعش» نفسها التي هزمت قوة أمنية عراقية تضم عشرات الآلاف بواسطة قوة تضم ستة آلاف عنصر فقط! ويشير إلى ما جعل هذا ممكنا كان أن المجموعة العراقية السنّية في تلك المنطقة شعرت بإمكانية وضع حد للظلم اللاحق بها من النظام الذي اعتبرته منحازا ضدها، فأمنت دعما ضمنيا للقوات المهاجمة، بالإضافة إلى ذلك، فإن انعدام الروح المعنوية والانضباط وفساد بعض الجهات في صفوف الجيش العراقي شكلت عناصر رئيسية في هذا الانكسار.

ويرى الكاتب أن «داعش» تمكنت من استغلال الحس المتنامي بالاضطهاد والتغريب بين صفوف السنّة في العراق، فتحولت أجزاء من المعارضة الشعبية السلمية هناك إلى معارضة مسلحة للنظام. وصار هؤلاء العراقيون المهمشون يرون أن أفضل فرصة لهم للظفر بالسلطة في العراق هو قتالهم كطائفة سنّية ضد هيمنة الطائفة الشيعية في بلدهم.

كما يضيف كوكبيرن أن حدة الانقسام بين المجموعتين السنية والشيعية في العراق زادت بسبب الحرب الحاسمة والباردة بين الولايات المتحدة وروسيا، حيث وقفت المملكة العربية السعودية وحلفاؤها (من الدول المجاورة لها) مع الولايات المتحدة في مواجهة إيران وسوريا وحلفائهما في العراق ولبنان، الذين تدعمهم روسيا ودول اخرى.

ويؤكد الكاتب أن العراق هو ربما أهم حليف لإيران، إلى جانب سوريا. وقد أصيب الإيرانيون بالذهول والهلع لانهيار الجيش العراقي المفاجئ، الأمر الذي خلق مشاكل لإيران في سوريا، حيث كانت القيادة الإيرانية تحقق نجاحات في دعمها لحكم بشار الأسد.

ويشمل كتاب كوكبيرن، بالإضافة إلى القسم المخصص للعراق، قسما آخر مخصصا لسوريا ومن بعده فصلا عن السعودية.

الخطأ برأي كوكبيرن، لدى قيادات أمريكا والغرب في سوريا، أنهم ظنوا أن بإمكانهم إسقاط نظام بشار الأسد بسرعة كما فعلوا في ليبيا بمعمر القذافي. ولكن، حسب رأيه، الأمر الذي أسقط القذافي كانت قوات «الناتو» (حلف شمال الاطلسي) وقصفها الجوي لنظامه بشكل رئيسي. كما أن أمريكا والغرب ظنا خطأ بأن روسيا وإيران وحزب الله اللبناني على استعداد لرؤية حليفهم السوري مهزوما. ويضيف قائلا: «نظرا إلى أن حركة التمرد (في سوريا) أصبحت الآن خاضعة لسيطرة «داعش» وجبهة «النصرة» وجماعات أخرى شبيهة بالـ»القاعدة»، فمن المستبعد أن ترغب، حتى واشنطن ولندن والرياض حاليا، في رؤية الأسد مهزوما. لكن السماح للأسد بالانتصار، سيُنظر إليه على أنه هزيمة للغرب ولحلفائه العرب والأتراك». ويستشهد كوكبيرن بقول لأحد الوزراء السوريين السابقين الذي قال: «لقد فات الأوان الآن على نقض سياساتهم، إذ أنهم ذهبوا بعيدا في التشديد على ضرورة استبدال الأسد وفي إصرارهم على ضرورة رحيل الأسد كشرط لإحلال السلام». وبالتالي، عليهم العثور على حلول جديدة.

ويضيف «وفي كل الأحوال يجب أن نسأل ما إذا كانت جبهة «النصرة» أو تنظيم «داعش» يريدان التفاوض مع أي كان أصلا. وحتى مؤخرا يبدو أن الجواب سلبي».

ويعتبر كوكبيرن، كما اعتبر آخرون من الخبراء، أن في سوريا «كل الجهات تبالغ في تقدير قوتها وتتخيل أن النجاح المؤقت في ساحة المعركة سيفتح الطريق أمامها للانتصار التام، (بينما) العديد من السوريين يرون الآن أن نتيجة حربهم الأهلية مرهونة إلى حد كبير بمواقف الولايات المتحدة وروسيا والسعودية وإيران، ولعلهم محقون في ذلك».

وعن إمكان التحول في سياسة السعودية إزاء الحرب السورية يقول كوكبيرن: «إن الدولة السعودية كان يساورها القلق من أن يعود الجهاديون، الذين سمحت لهم الدولة سابقا بالمغادرة من أجل الانضمام إلى الحرب في سوريا، إلى السعودية وأن يقوموا باستخدام أسلحتهم ضد حكام المملكة: «وفي شهري شباط/ فبراير وآذار/ مارس 2014 وفي تحول للسياسة السابقة، سعت السعودية لإيقاف مغادرة المقاتلين السعوديين إلى سوريا، كما دعت جميع المقاتلين الآخرين الأجانب لمغادرة ذلك البلد. وأصدر الملك (السعودي) عبد الله مرسوما مفاده أن مشاركة السعوديين في أي صراع أجنبي يُعتبر جريمة.

وقد لعب الأمير متعب بن عبدالله، نجل العاهل السعودي، حسبما أشار إليه كوكبيرن، دورا رئيسيا في صياغة سياسة سعودية جديدة في سوريا.

وأدى هذا التحول (حسب الكاتب) إلى دفع المواقع الجهادية على وسائل التواصل الاجتماعي إلى مهاجمة العائلة المالكة السعودية علنا الآن. وما زالت تفعل ذلك.

كما يستشهد كوكبيرن برأي لخبير آخر قال إن المجتمعات السنية في بلد تلو الآخر في المنطقة قد تأثرت بالمذهب الوهابي السلفي الجهادي الذي لم يكن في البدء جزءا من عقيدتها. وهذا قد يؤدي إلى تعميق الصراعات الطائفية السنية ـ الشيعية.

وإذا تفكك العراق وتفككت سوريا، فإن هذا التفكك سيكون (حسب كوكبيرن) دمويا إلى أقصى الدرجات بسبب الطائفية المتزايدة، التي غذتها الحرب على الإرهاب، غير الواضحة الأهداف، بقيادة أمريكا وحلفائها.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى