قصة ‘ليالي باريس’ تفرد حيّزا مستقلا للأنثى
“ليالي باريس” متن قصصي متنوع يسائل في العمق شرائح اجتماعية، تجد نفسها مرغمة على الانخراط في ما يُنعت بروح العصر.
تحمل مضامينه ملامح ذاتية للمرأة/ الكاتبة نور دشتي ورؤيا خاصة للعالم، تميّز جيلاً عن جيل بما فيهما من (مشاعر، رؤى، إيديولوجيا)، وبهذا المعنى كُتبت القصص من منظور وظيفي يجعل من عملية القراءة استباقاً للمعنى، المعنى الذي يتجاوز السرد المباشر إلى ما هو فلسفة حياة.
في القصة التي اتخذت المجموعة القصصية عنواناً لها: “ليالي باريس”، تحاول القاصة نور دشتي إفراد حيّز مستقل للذات الأنثوية وفضائها الخاص وكل ما يتعلق بذلك من الوعي بكونها امرأة لها الحق في صنع مستقبلها واختيار المهنة التي تحب، أمّا في الحب والزواج فيبدو أن حرية اتخاذ القرار تُترك للرجل.
ففي هذه القصة نقع على حوار شيق بين فتاتين مؤثرتين في مجاليهما، تسافران معاً في رحلة عمل إلى باريس مدينة الحب والحرية، وهناك في باريس تفيض الذات بما يختلج وجدانها.
وستُعبّر كل فتاة عن أحلامها سواء أكان الموضوع يتعلّق بالشهرة والطموح أم بالحب والزواج.
الشخصية الأولى “روان” لها وجهة نظرها الخاصة بشأن حرية المرأة في المجتمع ومساواتها بالرجل، ولطالما كانت من مؤيدي الحركة النسوية.
أمّا الشخصية الثانية “أميرة” فتحبذ أن تُعامل المرأة معاملة خاصة كأميرة وأن يكون الرجل مسؤولاً عنها، وباعتقادها أن المرأة تخلت عن أنوثتها عندما تخلى الرجل عن دوره ومسؤولياته، فأصبحت تشاركه دوره، لذلك هي تطالب بالمساواة.
ومهما يكن من أمر، فإن الخطاب القصصي هنا حقّق سلطته داخل النص، فالقاصة نور دشتي نجحت في إحداث الأثر وفي صُنع لغتها الخاصة وبنائها الخاص الذي يعيد تشكيل الشخوص وهي في حال محاورة مفيدة وسجال يفضي بنا إلى تلمسّ جدلية الثقافة وسلطة التقاليد وذهنية المجتمع الذكوري.
كما يطرح الكتاب سؤال: إلى أي مدى يُمكن للمرأة تحقيق ذاتها دون المسّ بهذه السلطة، وهو التحدي الحقيقي الذي يواجه المرأة العربية اليوم.
من أجواء القصص نقرأ:
“باريس.. مدينة الحب.. إنها تشبهني كثيراً، في اشتياقها لدفء الشمس الغائبة.. في سأمها من ذلك الصقيع الأبيض المتدفق باستمرار.. حتى أصبحت باردة مظلمة، لا تفرّق بين الليل والنهار.. كعروس بحلة بيضاء. تشبهني في صخب ليلها وزحمة ناسها، في احتوائها لجميع البشر. إلا أنها تظل هادئة وجميلة وبعيدة..
تلك المدينة العتيقة، بيد أنها عصرية ومتجددة دائماً ولها حيويتها في الوقت عينه. هي روح الشباب، تشبهني في شهرتها بالعطورات والماركات والأزياء، تشبهني بشغفها بالفن وتاريخ الحضارات…”.
تتألف المجموعة القصصية “ليالي باريس” من عشر قصص جاءت تحت العناوين الآتية: “القمر المكتمل”، “الضحية والجلاد”، “فتاة ديسمبر”، “ليالي باريس”، “الجوكر”، “الشمعة”، “طيور مهاجرة”، “امرأة من نار”، “الشمس في حياتي”، و”الملحد”.
من اشتراطات الإبداع أن يكون لكل كاتب أدواته، واللغة هي أهم أدوات المرأة/ الكاتبة. فبها تتشكّل الشخوص، وتُكتشف ذهنية النص.
ونرى أن “ليالي باريس” الباردة قد أنعشت مخيلة نور دشتي في روي قصص قصيرة عن الحب والطموح والتحدي.