قضية لواء اسكندرون، وهواجس الوطن السوري !
خاص ببوابة الشرق الأوسط الجديدة
برزت قضية لواء اسكندرون في سورية إلى الواجهة مع بداية الأزمة السورية عام 2011 عندما حزمت تركيا أمرها لتدعم تحركا سياسيا واسعا في سورية ، على أرضية موجة الربيع العربي الذي استهدفت المشرق العربي..
وإذا كانت هذه القضية قد وضعت ضمن الملفات المطوية بين البلدين في فترة العسل السوري/التركي، فإنها فتحت سريعا إثر التدخل التركي على الأرضية المذكورة.
واسكندرون، بغض النظر عن العلاقات السورية ــ التركية وتدرجاتها، هو قضية وطنية عند السوريين، تشبه قضية مرتفعات الجولان التي تسيطر إسرائيل عليها، وقد أضيفت لهاتين القضيتين القضية المعاصرة التي يعيشونها وهي تشظي الخارطة السورية في صراعات داخلية وعربية واقليمية ودولية ، لتصبح الخارطة السورية خارطة وطن يدافع عن هويته وكيانه رغم أن تلك الهوية أصلا رسمت استعماريا مع ظهور اتفاقية سايكس /بيكو التي مرت مائة سنة عليها ظهورها!
ولواء اسكندرون مساحة مهمة وغنية وخصبة من الوطن السوري، تغير شكل الخارطة التركية لو أنها عادت إلى سورية، فينقطع ذلك اللسان المتدلي من جنوب تركية ويجاور البحر المتوسط والبر السوري، ولو أنها ظلت كما هي، لتغيرت الخارطة السورية وغدت جبهتها الأمامية الشمالية عند خليج اسكندرون فارعة كأن عملية استئصال لورم ما قد جرت فيها !
وجاء في الموسوعة العربية أن لواء اسكندرون يتألف من تشكيلة من السكان، هم : من العرب وهم الغالبية والأتراك والأكراد والشركس وقلة من الأرمن. ولقد تغيرت نسبة هذه العناصر بحسب الأوضاع والأحوال السياسية التي مرت بها مسألة اللواء حتى اقتطاعه، وحسب الهجرات أو النزوح الذي طرأ على بنية السكان.
ومازال العرب السوريون فيه يؤلفون الأكثرية الساحقة حتى اليوم وخاصة في الأرياف، كما تقول بعض الدراسات التي تؤكد انتمائه للوطن السوري، ويذكر الباحث محمد علي زرقة وهو من أبناء لواء اسكندرون في كتاب موثق عن اسكندرون أن القطعات المسلحة التركية اجتازت صباح الثلاثاء الخامس من تموز من عام 1938 حدود سنجق الاسكندرونة المستقل أو اللواء من نقطتين بين سورية و تركيا الحديثة موضحا أن الفرنسيين و بمعية الأقلية التركية المقيمة في اللواء و معونتها هيأوا استقبالات حافلة للقطعات التركية الزاحفة التي قاطعها العرب هناك لأنها كانت تعني ابتعادهم عن الوطن ..
وقضية لواء اسكندرون، رغم ذلك، كانت قضية إشكالية في المنظمة الدولية التي كان اسمها في ذلك الوقت ((عصبة الأمم))، ففي ظروف تلك الحقبة كانت فرنسا مستعمرة لسورية، وكانت تركيا تدعي حقها بأراض سورية كانت قد جمعتها حدود الدولة العثمانية، وكان لواء اسكندرون جزءاً من أراضي الجمهورية السورية وبقي حتى حزيران 1939 وحدة إدارية بوضع خاص إلى أن تم إلحاقه بتركيا بالتواطؤ مع فرنسة، الدولة المنتدبة ومن دون إرادة السوريين وموافقتهم. وقد نجمت عن ذلك قضية لواء الاسكندرون التي تعد مثالاً على بعض قضايا النزاع التي تُركت من دون حسم في تسويات ما بعد الحرب العالمية الأولى بين دول الحلفاء والدولة العثمانية في مؤتمر لوزان (1923).
حمل السوريون قضية لواء اسكندرون على عاتقهم كقضية وطنية منذ اللحظة الأولى، لكن الظروف الاقليمية التي تشبه إلى حد كبير الظروف الحالية جعلت قضية اللواء تتراجع أمام حجم القضايا الوطنية التي كانت تظهر وتتوالد، ومع ذلك ظلت روح الانتماء إلى سورية عند السوريين الذين يعيشون هناك مشتعلة حتى اليوم ، ويقول الكاتب نظام مارديني عن المرحلة الراهنة : لم تختفِ قضية لواء اسكندرون عن خارطة سورية التي ما زالت تحمل مرارة خسارتها للّواء السليب وخيانة الدولة المنتدبة لسورية، ويقصد فرنسا، ويستشهد بقول للرئيس السوري السابق يعود لعام 1982، جاء فيه: «لقد كانت هنا في هذه المنطقة دولة موحّدة مزّقتها القوى الانتدابية فرنسا وبريطانيا ونحن ندفع اليوم النتائج… وأستطيع القول إنّ فرنسا عليها مسؤوليّة تاريخية بخصوص شعبنا في سورية».
ولاتزال ثمة تحركات ترفع شعار العودة إلى الوطن الأم سورية، يشير إلى بعضها هذا الكاتب بقوله: كانت بعض هذه المظاهرات شهدت في صيف 2013، مواجهات شرسة بين اللوائيّين وقوات الشرطة التركيّة، وذلك على مدى عدّة أيام حيث قمعت تظاهراتهم بالحديد والنار، وانجلت عن شهيدين أحدهما استشهد بقذيفة غاز مسيل للدموع أُطلقت من مسافة قريبة جداً لدرجة مريبة بحيث أصابت صدغه، والآخر أسقطه قنّاص من سطح مبنى اعتلاه ليرمي بالحجارة على قوات الشرطة التي كانت تحاول اقتحام الحي العروبيّ الثائر.