لم يخطر ببال الخبير الاقتصادي البريطاني ( جيم أونيل) أن الفكرة التي توصل إليها أثناء عمله لصالح مؤسسة غولدمان ساكس الاقتصادية الأمريكية العملاقة للسيطرة على اقتصاد مجموعة الدول الناشئة، وهي البرازيل وروسيا والصين والهند، و التي اختصرها بإلإصطلاح (البريك) .. لم يخطر ببال أونيل أن تتحول فكرته من (فكرة تسويقيه استثمارية) تتيح السيطرة الغربيةعلى اقتصاد هذه البلاد إلى مفهوم لتكتل هذه الدول وحمايتها من هيمنة الرأسمالية الأمريكية. وكما يبدو فإن فكرة اونيل التي اطلقها العام 2001 التقطها بوتين واستثمرها حتى استطاع في العام 2009 جمع هذه الدول في أول اجتماع على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، واتفقوا على (التعاون الاقتصادي) بين دول (البريك) ثم مع إنضمام جنوب إفريقيا في العام 2011 إلى هذا التكتل أصبح يمثل 40% من سكان العالم وحوالي 30% من إجمالي الناتج العالمي.
وبعد الحرب في أوكرانيا رغبت روسيا والصين في تحويل التكتل من (التعاون الاقتصادي) إلى (التوافق الجيوسياسي) ليشكل قطبا مواجهاً لأمريكا والغرب.. فهل ينجح الشرق بذلك ؟؟ وهل يشكل توسيع البريكس عمقاً اضافياً من ناحية المواجهة الجيوسياسية ؟؟ أم أنه سيبقى ضمن إطار التعاون الاقتصادي والتنمية ؟؟؟
حتى الآن. ما زالت فعالية البريكس الاساسية هي التعاون الاقتصادي والتنمية . وأهم إنجازاتها حتى الآن (بنك التنمية الجديدة) و مركزه في شنغهاي و الذي يؤمل منه أن يكون عنوانا للتعاون. ومع التوسع الذي تقرر في قمة البريكس التي عقدت في جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا الأسبوع الماضي، والذي شمل السعودية والأرجنتين ومصر وإيران والإمارات العربية المتحدة، أصبح التكتل ( بريكس بلاس ) يضم نصف سكان الأرض، ولكن مازال التفاوت في البنيات الاقتصادية بين دوله عائقاً. إضافة إلى أن هذه الدول ليست على (قلب جيوسياسيي) واحد، وما زالت بعض المناوشات مثلا بين الصين والهند حول الحدود . كذلك فإن مواقف هذه الدول بشأن مواجهة أمريكا والتصدي لها متباينة ومختلفة، الأمر الذي يبقي فعالية هذا التكتل حتى الآن مركزه في التعاون الاقتصادي والتنمية، رغم ما دعا إليه بوتين في خطابه المتلفز أمام قمة جوهانسبرغ من ضرورة التقدم في (مسار التوحيد) . إضافة لما طالب به الرئيس الصيني من ضرورة العمل على إنجاز (حوكمة عالمية أكثر عدلا) .. البريكس في توسعها الجديد. تؤكد أنها (ساحة للتعاون الاقتصادي) يهدف لتحقيق (العدالة الاقتصادية) في العالم ولا يسعى لمواجهة جيوسياسية.. أقله حتى الآن …
مع ذلك يكثر الخطاب الأيديولوجي الذي يتعامل مع البريكس ومع البريكس بلاس بعد توسعيها على أنها عنوان (قطب عالمي) تقوده الصين وروسيا. ضد (القطب الأمريكي) جيوسياسياً، وهذا التوجه الأيديولوجي يقوم على الانحياز إلى الشرق الروسي الصيني ، و على الاصطفاف معه ضد الغرب الأمريكي. وهذا غير موجود حتى الآن لدى الدول المنضوية في التكتل.. الموجود هو التعاون الاقتصادي التنموي وهو تعاون مع الشرق لا يلغي التعاون مع الغرب. فمثلا كل دول البريكس أعضاء في مجموعة العشرين الاقتصادية التي تقودها أمريكا. ومعظمهم أعضاء في مجموعة السبع. كما أن السعودية مثلا عضو في مجموعة العشرين وفي مجموعة شانغهاي والآن في البريكس . أي أن ما يجري من توسيع للبريكيس ليس إلا توسيع لمجالات التعاون الاقتصادي على أساس تعددية التعاون الاقتصادي بعيداً عن الحساسيات السياسية. فمثلا الهند مستمرة بالتعاون مع أمريكا، والسعودية عمق تعاونها مع واشنطن . و الإمارات و مصر علاقاتهما ممتازة مع أمريكا . الأمر تعددية في التعاون الاقتصادي وليست تجمعاً سياسياً ضد أمريكا ، بل هو تكتل يسعى للعدالة والنزاهة والتعاون في إنتاج خيرات العالم. لمصلحة خير العالم . و إن استطاعت روسيا والصين تحويل هذا التعاون إلى تحالف جيوسياسي له نفس المعاني من العدالة والتعاون والنزاهة فإننا سنكون أمام قطبية تقوم على أساس التعاون في الإنتاج لا على أساس القوة في السيطرة والنهب والهيمنة ….
تكتل البريكس بتوسعه يوسع مجالات التعاون و يعدد ارتباطات المصالح ويساهم في فرض نموذجه للتعاون الاقتصادي ضمن حوكمة عادلة مأمولة وفي إطار التوحد في مسار تحقيق خير الإنسانية بدءا من التعاون في إنتاج الخيرات للإنسان في كل مكان …..