خاص: في كل مرة أستلم فيه النسخة الأولى من كتاب لي، كنت أطرح على نفسي سؤالاً مضمونه لمن أقدم هذه النسخة وهذا يعني أن في حوزتي قصصاً لأكثر من عشرة كتب منشورة لي ينبغي أن أحكي عن نسختها الأولى، وإذا كان في تفاصيل هذه القصص أسرار لاينبغي البوح بها، فإن الحديث عن قصة النسخة الأولى من روايتي (حكايات حارة المؤيد ــ الجن والعاشقات) لاتحتاج إلى إخفاء.
فقد اتصل بي الدكتور نايف الياسين المدير العام للهيئة السورية العامة للكتاب بلطافته المعهودة يخبرني بأن روايتي تلك صدرت وهنأني على صدورها. فأسرعت إلى مكتبه ولم تكن النسخ قد وصلت من المطبعة، فأعطاني النسخة التي بحوزته..
عدتُ إلى البيت لأستعيد تفاصيل روايتي وقد أصبحت ملكا للقراء بعد أن صدرت بشكل رسمي، وكان سؤالي الأول لمن سأهدي النسخة الأولى؟
كان الكاتب الراحل سهيل الذيب يكابد ويعاني مع مرضه العضال، وكان هناك اتفاق على زيارته بشكل دوري، لذلك قررت أن أقدم النسخة الأولى له، وبالفعل كتبتٌ إهداءً جميلا يناسب اسمه ومانته عندي ، وذهبنا إلى بيت سهيل بسيارة الصديق الشاعر فراس ديوب أنا والأصدقاء الرائعين محمد الحفري ومحمد الطاهر وزوجته الدكتورة عايدة الفهد، وقمتُ بشراء قالب كاتو خاص للمناسبة دونت عليه عبارة (حكايات حارة المؤيد)..
كانت مفاجأة للصديق الراحل، فرح بها كثيراُ، وأمضينا أمسية طيبة معه، ثم عدنا من صحنايا، والأصدقاء يسألون عن نسخهم، وجوابي كما هو أن هذه النسخة هي نسخة الدكتور نايف الياسين، ولم تصل النسخ بعد..
مرت أيام واستلمت النسخ ووزعتُ العشرات منها، وبدأت الأصداء تردني من القراء ثم أقيمت ندوة عنها، وأنا أنتظر رأي الكاتب الصديق صاحب النسخة الأولى .
بعد قرابة شهرين ، وفي زيارة من زياراتنا الدورية له، فُتح موضوع الرواية من قبل أحد الأصدقاء، ودار الحديث عنها بين الحضور ، وأنا أنصت وأنتظر رأي سهيل، وسهيل لايتدخل بالحوار إلى أن سألته :
ــ وماذا عن رأيك أنت ؟
ضحك سهيل الذيب، بجسده النحيل الذي يكابد آلام مرضه العضال، وقال :
ــ أنا أثق بما تكتبه ، وبصراحة أقول لك إنني لم أستطع القراءة ، حالتي لا تسمح لي .
أجبته محبطاً لأن رأيه كان يعنيني كثيراً:
ــ ولا يهمك .
لا أخفي أن رده آلمني لسببين الأول أنه لم يعد يستطيع القراءة، والثاني أنه لم يقرأ روايتي ويبدي رأيه فيها ..
توفي سهيل الذيب كاتباً رائعاً عشنا معه لحظات جميلة من حياتنا ، ولم يترك لنا إلا الذكريات الطيبة والسعيدة، ولكنه ترك في قلبي غصة أنه لم يقرأ روايتي التي أمضيت في كتابتها عشر سنوات ولاقت صدى طيبا عند القراء !
بوابة الشرق الاوسط الجديدة