مساحة رأي

كان دارا للسينما .. السوريون بنوا برلماناً ودافعوا عنه !

عماد نداف

انتبه الشيخ علي الطنطاوي، أحد وجوه دمشق الدينية والأدبية المعروفة في النصف الأول من القرن العشرين، وهو والد بنان الطنطاوي زوجة المرشد الأسبق للإخوان المسلمين في سورية عصام العطار التي اغتيلت على يد المخابرات السورية عام 1980، انتبه إلى مسألة مهمة تتعلق بالسينما التي بناها الأتراك في دمشق عندما كان العثمانيون يجمعون نصف الدول العربية تحت جناحهم ، فقال :

ــ “وما في البلد (أي دمشق) إلا سينما أنشأها الأتراك للدعاية الحربية كانت في موقع البرلمان ، أخذونا إليها فأرونا ( فلماً ) عن حرب ( شنا قلعة ) أثناء الحرب الأولى ” .

أي أن السينما أحدثت للدعاية للجيش التركي، فماذا حل بهذه السينما الأولى في سورية؟!

يروي بشار منافيخي، وهو موثق سوري، عن رشيد جلال السينمائي الرائد أن سينما شنا قلعة هذه أو (جناق قلعة) هي أول دار للسينما أسست في دمشق وذلك في أواخر العهد العثماني في عام 1916 وقد افتتحها قائد الجيش الرابع العثماني ( جمال باشا) وسميت بهذا الاسم تخليداً لانتصار الجيش العثماني على الأسطول البريطاني في مضيق جناق قلعة..

لم يهنأ الأتراك بهذا الانجاز الدعاوي التركي لجيشهم الذي كان يتداعي وقد نهشته أوروبا في الحرب العالمية الأولى، فبعد “عروض استمرت شهراً من افتتاح الصالة ، اندلع حريق سببه حرارة القوس الكهربائي لآلة العرض، فاحترق الفيلم بعد انقطاعه ولم يكن في صالة السينما أية وسيلة للإطفاء فاندلعت النيران في كافة أرجاء السينما، وبقي بناء السينما خراباً مدة طويلة حتى أقيم مكانها مبنى البرلمان السوري”!

في الأول من آب 2010 نشر الموثق السوري شمس الدين العجلاني مقالا عن الموضوع نفسه في مجلة الأزمنة أوضح فيه أن أنقاض هذه السينما بقيت مدة طويلة، “وفي زمن المستعمر الفرنسي أرادوا بناء مقر للبرلمان السوري، وبحثوا في أنحاء دمشق ولم يروا أفضل من موقع هذه السينما، فاستقر الرأي على ترحيل أنقاض السينما وبناء مقر للبرلمان السوري مكانها، وكان ذلك عام 1928، حيث بُدئ في هذا العام ببناء دار البرلمان السوري (مجلس الشعب حالياً) على أنقاض سينما جناق قلعة” .

تحول المكان إلى رمز تاريخي للسوريين، فما من أسماء بارزة في الحياة السياسية والوطنية السورية إلا ويذكر اسم البرلمان معها، بغض النظر عن رأيها وهويتها وانتمائها إلى مكون ما، بل أن السوريين قدموا، دفاعاً عن مبنى البرلمان ، وفي ساعة واحدة نحو ثلاثين شهيدا بعد ظهر يوم 29 أيار 1945، بعد إنذار وجهه الجنرال روجيه إلى رئيس البرلمان يهدده فيه بانتقام فرنسا من المواطنين السوريين الذين يعتدون على الجنود الفرنسيين على حد زعمه، ويطلب إليه أن تقوم حامية البرلمان بتحية العلم الفرنسي عند إنزاله في المساء عن دار أركان الحرب الفرنسية المواجهة للمجلس.

رفض حماة البرلمان أداء التحية للعلم الفرنسي، وكان الرد الفرنسي بقصف البرلمان وارتكاب مذبحة استشهد فيها كل الجنود السوريين المدافعين حتى اللحظة الأخيرة عن مبنى البرلمان ، بما يعنيه من رمز لسورية والديمقراطية فيها !

في هذا المكان الذي دافع عنه حماته حتى اللحظة الأخيرة، جلس السوريون مع بعضهم البعض بعض النظر عن أي انتماء لهم : كان الكردي مع العربي مع الشركسي مع الآشوري مع المدني مع الحضري كانوا جميعا يتجاورون في المقاعد وهم يمارسون مهمتهم البرلمانية ..

وفي هذا المكان جلس الشيوعيون مع البعثيين مع الإخوان المسلمين مع الناصريين مع الاشتراكيين العرب مع الوحدويين الاشتراكيين مع المستقلين ..

لم يتردد أي سوري في الانصات إلى رأي سوري آخر، ويروي خالد بكداش في كتابه (خالد بكداش يتحدث) الذي يحتوي حوارا واسعا أجريته معه، وكان أول نائب شيوعي في البرلمان السوري، يروي أن نائبا واحد فقط كان يخرج من البرلمان عندما يقف على منبر المجلس، وهذا النائب كان محسوبا على الإخوان المسلمين، وفي تفاصيل أخرى أن خالد بكداش كان يخرج من القاعة عندما يتحدث ذلك النائب ليدخن سيكارة، وكانت حق الرأي محفوظاً.

ترى من سيجلس في هذا البرلمان في هذه المرحلة ؟!

هل سيؤكد السوريون أن البرلمان هو دارهم، كما كان ؟

وعندها سيبرز سؤال كبير : هل سنراهم وهم يختلفون ويتفقون على الهواء مباشرة ؟

 

ملاحظة : وجهة نظر طرحتها من قبل وأعيد نشرها بعد تعديل طفيف لأهميتها.

 

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى