كباش ديبلوماسي حول «المساعدات» | أنقرة لواشنطن: لا لإبعاد موسكو
عشيّة انتهاء مفاعيل القرار الأممي الخاصّ بإدخال المساعدات إلى سوريا، بدأت المداولات في مجلس الأمن الدولي في شأن إمكانية تمديده من عدمها، وسط مسعًى أميركي لاستحداث بديل منه في حال استمرّ الرفض الروسي لتمديده من دون ضمانات أكثر جدّية بمنْح دفعة حقيقية لمشاريع «التعافي المبكر». على أن هذا المسعى يُواجَه برفض تركي، وتشديد على ضرورة تزخيم تلك المشاريع تسهيلاً لعودة اللاجئين، وهو ما يتُوقّع أن تُقابله موسكو بمزيد من المرونة، خصوصاً أن مسار التقارب بين أنقرة ودمشق، يتطلّب إحلال الهدوء في مناطق سيطرة الأولى شماليّ سوريا، الأمر الذي يسهم فيه استمرار تدفّق المساعدات
مرّة أخرى، تحتدم المعركة الدبلوماسية في أروقة مجلس الأمن الدولي حول ملفّ المساعدات الإنسانية، مع انتهاء مفاعيل «القرار 2642» الذي صدر في شهر تموز الماضي، والذي سمح بإدخال المساعدات لستّة أشهر فقط، مقابل تعهّدات واضحة كانت طالبت بها موسكو، بتقديم دفعة لمشاريع «التعافي المبكر»، وبشكل خاصّ في ملفَّي الطاقة ومياه الشرب، بالإضافة إلى تخفيض كمّيات المساعدات التي يتمّ إدخالها عبر الحدود (معبر باب الهوى)، وزيادتها عبر خطوط التماس (من دمشق إلى الشمال السوري). القرار الأممي الذي نصّ بشكل جليّ على أن تمديده يحتاج إلى تصويت جديد، صدر بعد مداولات عديدة حاولت خلالها الولايات المتحدة وحلفاؤها في الاتحاد الأوروبي عرقلته عبر الإصرار على اتّباع الإجراءات نفسها التي سبقت صدوره، والتي تسمح بإدخال المساعدات عبر معبر باب الهوى من دون ضوابط واضحة. وقد رفضت موسكو آنذاك هذا الطرح، مصرّة على تضمينه بنوداً تضْمن «توزيعاً أكثر عدالة»، وعلى تحويل جزء من المساعدات إلى أشكال أكثر فاعلية، تضْمن، على المدى الطويل، تسهيل عودة اللاجئين والنازحين إلى مناطقهم.
ومنذ صدور القرار، تمّ إدخال 13,958 شاحنة إلى مناطق شمال غربي سوريا، معظمها عبر معبر باب الهوى، و40% منها من خارج إطار المساعدات الأممية، عبر منظّمات أهلية مموَّلة من قِبَل تركيا وقطر ودول أخرى، وهو ما أثار حفيظة روسيا التي ترغب في ضبط مسألة المساعدات الإنسانية وتنظيمها، وإنهاء الاستثمار السياسي الناجم عنها. ومع اقتراب انتهاء مفاعيل القرار في العاشر من الشهر الحالي، بدأت تدور في أروقة مجلس الأمن نقاشات عميقة حول إمكانية تمديده. على أن موسكو لا تزال تُظهر تردّداً واضحاً حيال هذا الطرح، وفق مصادر تحدّثت إلى «الأخبار»، خصوصاً مع عدم الإيفاء بالتعهّدات التي تضمّنتها النسخة السابقة من «2642» بشكل ملموس، بالإضافة إلى استمرار تمرير معظم المساعدات عبر معبر باب الهوى. وعلى خلفية ذلك التردّد، بدأت الولايات المتحدة استكشاف إمكانية إدخال المساعدات من خارج نطاق الأمم المتحدة، عبر مشروع قديم تتطلّع واشنطن إلى إحيائه، يُدعى «إنصاف»، تديره شركة بريطانية تعمل على جمع التبرّعات، وتقوم بالتنسيق مع عدد من المنظّمات العاملة في الشمال السوري على إدخال المعونات.
على أن الجهود الأميركية لإبعاد روسيا عن ملفّ المساعدات، قوبلت، وفق المصادر، برفض تركي، في ظلّ التقارب القائم بين دمشق وأنقرة برعاية روسية، إذ طالبت تركيا بتمديد الآلية القائمة في الوقت الحالي، مع إعطاء دفعة لمشاريع «التعافي المبكر»، والتي تشتدّ الحاجة التركية إليها حالياً بهدف تسريع وتيرة إعادة اللاجئين السوريين، وفق خطوات متزامنة، تتضمّن تسهيلات عديدة تقدّمها الحكومة السورية، ورفْع مستوى النشاط الاقتصادي بين البلدَين، وفتْح الطرق الرئيسة، وإعادة تفعيل خطوط الترانزيت عبر سوريا. وأمام الرغبة التركية هذه، أبدت روسيا مرونة كبرى، وفق ما ظهر في تصريحات دميتري بوليانسكي، نائب سفير روسيا لدى الأمم المتحدة، الذي أعلن أن بلاده لا تزال تدرس إيجابيات القرار وسلبيّاته، مذكّراً بأن ما جرى تنفيذه «بعيد عن التوقّعات»، فاتحاً بذلك الباب أمام إمكانية تمديد القرار بعد حصول موسكو على تعهّدات أكثر جدّية بتطبيقه بشكل كامل.
ويتكامل ملفّ المساعدات الإنسانية مع التوجّه السوري – التركي، المدعوم روسياً وإيرانياً، لإنهاء تداول ملفّ اللاجئين والنازحين السوريين في الأروقة السياسية، وهو ما يفسّر المحاولات الأميركية المستمرّة لعرقلة أيّ حلّ جدّي للأوّل، وإبعاده، قدْر الإمكان، عن مشاريع «التعافي المبكر»، بهدف التشويش على المسار الروسي للحلّ في سوريا، بالتزامن مع إطلاق حملات دعائية تتّهم موسكو بعرقلة إدخال المساعدات. وفي المقابل، يبدو التوجّه الروسي للقبول بتمديد القرار 2642، وفق ضوابط معيّنة، منطقياً، في ظلّ التطورات السياسية القائمة، حيث تخشى تركيا أن يتسبّب التضييق على المعونات عبر الحدود بزيادة الاضطرابات قرب حدودها الجنوبية، والتي أخذت منحًى تصاعدياً مع إعلانها السعي للتطبيع مع دمشق. وفي هذا السياق، وفي أعقاب اللقاء الذي جمع وزيرَي دفاع البلدَين، يُتوقّع أن يَجمع لقاء مماثل وزيرَي خارجيّتيهما في النصف الثاني من الشهر الحالي، تمهيداً للقاء قمّة بين الرئيس السوري بشار الأسد ونظيره التركي رجب طيب إردوغان، وهي خطوات لاقت دعماً إماراتياً لافتاً، وصل إلى حدّ ترحيب أبو ظبي باستضافة لقاء وزيرَي الخارجية.