فن و ثقافة

كتاب العلاقات الفرنسية السعودية (2): تدمير برجي التجارة في مانهاتن

عماد نداف

خاص

يحتاج الدارس لكتاب الدكتور فيصل المجفل عن العلاقات الفرنسية السعودية في فترة هامة من تاريخ المملكة والمنطقة والعالم إلى دراسات متتابعة ليس من أجل عرض الكتاب والإشارة لأهميته فحسب، بل لأنه يفتح على ملفات خطرة وسياسات تتعلق بالأيام الساخنة التي هددت الأمن الإقليمي والسلام العالمي، وخاصة تلك المتعلق بأحداث أيلول عام 2001 وحرب العراق 2003 والملفات المعقدة الأخرى كالملف اللبناني والملف الفلسطيني والملف الإيراني ..

ولأننا عندما ندقق بالتفاصيل جيداً نلاحظ أن ثمة بناءً حالياُ يجري في السياسة السعودية يأخذ بعين الاعتبار تاريخية تلك الظروف وتداعياتها ومخاطرها ودروسها في الحياة العربية بشكل عام والسعودية بشكل خاص..

وقد اخترت نموذجين لعرض هذا الكتاب الأول وكان في الحلقة الماضية ، وكان حول هزيمة حزيران عام 1967 وحوار الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول مع الملك السعودي الراحل فيصل بن عبد العزيز، وفي هذه الحلقة سأتحدث عن الملف الذي يتعلق بأحداث مانهاتن الإرهابية، وفي اعتقادي فإن جاذبية المعالجة ستدفع القارئ حتما لمتابعة الملفات الأخرى بلهفة وفضول يتعلق بالدبلوماسية وهي تعالج الأزمات..

ففي الحادي عشر من أيلول/سبتمبر عام   2001 وقعت هجمات إرهابية استهدفت الولايات المتحدة بواسطة أربع طائرات مدنية نجحت ثلاث منها في الوصول إلى أهدافها في برجي مركز التجارة الدولية الواقعة في مانهاتن ومقر وزارة الدفاع الأمريكية، وأدت هذه الهجمات إلى مقتل 2977 شخصًا إضافة الخاطفين وآلاف الجرحى والمصابين..

وبغض النظر عن وجهات النظر والوقائع المتعلقة بتلك الأحداث وأثرها على المنطقة والعام وعلى العرب والمسلمين بشكل خاص، والتي تضمنتها آلاف الملفات التي نشرت حول وقائع وخلفيات هذه الأحداث، فإن أخطر ملف ينبغي الوقوف عنده هو محاولة توريط السعودية بالوقوف وراءها أو على الأقل مسؤوليتها عن جنسية المنفذين السعوديين، ومن ثم الآلية التي اشتغلت عليها الدبلوماسية من خلال نموذج التعاطي السعودي مع التحرك الفرنسي، وهي دبلوماسية مرنة تحت وطأة أحداث كبرى يشير الكتاب إلى هدفها قائلاً : ” كان الهدف من اتخاذ القرار السعودي المتمثل بالمرونة السياسية والتنازل وتقديم المساعدات لواشنطن هو المحافظة على الذات بالدرجة الأولى، وعدم تصعيد الأمور مع واشنطن لتحاشي أي توتر كبير يترتب عليه نتائج كارثية” ص 115

وقد عالج الدكتور فيصل المجفل تلك الظروف وأثر ذلك على المملكة في كتابه (العلاقات الفرنسية السعودية 1967ــ 2012) في عهد الرئيس جاك شيراك، فالدكتور المجفل يصف تلك الهجمات الانتحارية بأنها “أصابت قلب النظام الليبرالي الرأسمالي الدولي” ص105 مؤكدا أن العلاقات الأمريكية السعودية لم تتأثر في تاريخها مثلما تأثرت في هذه الأحداث، وكثير من المتابعين يعرفون جيدا معنى التصادم بين الولايات المتحدة والسعودية وأثره على المنطقة في لحظة تاريخية ما،  لذلك لابد من التدقيق جيدا في طبيعة الحراك الذي جرى في العلاقات الفرنسية السعودية إثر هجمات أيلول..

يقول الدكتور فيصل المجفل في كتابه : ” يبدو أن فرنسا تعاملت مع أحداث سبتمبر من منطلق الوعي الكامل للاختلاف العميق بين الحضارات ومعرفة الأبعاد الإيديولوجية ذات الدوافع الدينية على عكس الولايات المتحدة التي تعاملت من منطلق القوة الصرفة دون حساب تأثير الأبعاد الإيديولوجية ، ويبدو أن باريس سعت بعد هجمات سبتمبر للحفاظ على الوضع الدولي الراهن ..” ص 112

جرت اتصالات من الرئيس شيراك مع السعوديين فأوفد هوبير فيدرين وزير خارجيته إلى السعودية واستقبله الملك عبد الله الذي كان وليا للعهد ، ثم جاء شيراك بنفسه بعد تصريحات له بوقوف بلاده مع الولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب ، وهذا يعني أن اهتماما كبيرا شغل الدبلوماسية الفرنسية بهذا الملف في عهد شيراك، ويرى الكتاب أن هذا الاهتمام يعود لعاملين : ” العامل الأول : مدى العلاقة الجيدة بين النظام السياسي الفرنسي ونظيره السعودي ، حتى لو كان التحرك الفرنسي عبر التنسيق بين باريس وواشنطن ، فقد فتح شيراك (بذلك) حوارا مع القيادة السعودية كانت الرياض بأمس الحاجة إليه “ص 113

وحول العامل الثاني يوضح الكتاب أن زيارة شيراك: “تجسد الوعي الثقافي والإيديولوجي لدى باريس بمدى الفوضى التي قد تحدث في المنطقة فيما لو تم الضغط من قبل الولايات المتحدة الأمريكية على المملكة العربية السعودية بشكل أكبر” ص 113.

وهذا الضغط كان يمكن أن يؤدي إلى تقسيم المملكة(!!) أو إلى زيادة نفوذ الشيعة في الخليج العربي، كما يشير المجفل ..

ويقف الكتاب عند الأثر التي تركته الدبلوماسية السعودية في التعامل مع نتائج الزيارة التي اعتبرها انفتاحاً جديداً على الغرب بعد الهجمات الإرهابية، ويبني على ذلك فيقول: ” إن هذه الزيارة سمحت للرياض بعد عزلة سياسية بالحديث عن التعاون وفتح حوار مع الغرب، ومحاولة إيجاد حلول وعمل إصلاحات للمطالب الغربية المتعلقة بمعالجة أسباب التطرف الديني والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب” ص114

ويضيف : ” ولكن تبقى النقطة الأهم أن هذه الزيارة الفرنسية كانت عاملاً مساعداً في توافر المعلومات التي تفتقدها الرياض، والتواصل اللازم لصنع القرار السعودي. ” ص 114

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى