كتابٌ إسرائيليٌّ جديدٌ: اجتياح لبنان 82 طرد م.ت.ف وأنشأ حزب الله العدّو العقائديّ الخطير
في خطوةٍ لافتةٍ للغاية سمحت الرقابة العسكريّة الإسرائيليّة بنشر كتابٍ جديدٍ عن حرب لبنان الأولى، حزيران (يونيو) من العام 1982، والذي يعتمد مؤلّفه، وهو ضابط سابق في جيش الاحتلال، على وثائق أمنيّةٍ رسميّةٍ تمّ تدوينها خلال أيّام العدوان، الذي قاده وزير الأمن الإسرائيليّ آنذاك، أرئيل شارون، وانتهى بلجنة تحقيقٍ رسميّةٍ قررت إبعاد شارون عن منصب وزير الأمن للأبد.
المؤرّخ الإسرائيليّ بيني موريس، الذي ينتمي إلى الصهاينة الجدد، نشر في صحيفة (هآرتس) العبريّة مُراجعة شاملةً للكتاب، وأكّد على أنّه يحتوي على معلوماتٍ جديدةٍ لم تُنشر من قبل، مُعربًا عن رأيه في أنّ مقّص القريب عمل على مدار الساعة، لأنّ الكتاب، بحسب تعبيره، يفتقر في العديد من الأبواب إلى المصادر التي اعتمد عليها الكاتب.
ويكشف الكتاب (شيليغ في لبنان)، النقاب عن أنّ شارون، برفقة القائد العّام لهيئة الأركان آنذاك، رفائيل إيتان، وكبار الجنرالات في الجيش ومسؤولين رفيعي المُستوى في جهاز الموساد (الاستخبارات الخارجيّة) قاموا في الـ12-13 من شهر كانون الثاني (يناير) من العام 1982، أيْ قبل خمسة أشهر قبل بدء الاجتياح، بزيارةٍ سريّةٍ إلى بيروت وضواحيها، حيث اجتمعوا إلى قادة حزب الكتائب اللبنانيّة وفي مُقدّمتهم بشير الجميل.
وخلال اللقاء، أكّد المؤلّف اعتمادًا على بروتوكولات الحكومة والجيش، أوضح شارون لمُضيفيه أنّ الهدف من العملية العسكريّة المُخطّط لها هو طرد منظّمة التحرير الفلسطينيّة من لبنان، بما في ذلك الوصول إلى ضواحي بيروت، وقطع طريق دمشق-بيروت، والتواصل مع الكتائب، على أمل أنْ يتمكّنوا من السيطرة على العاصمة اللبنانيّة.
علاوةً على ذلك، كشف الكتاب النقاب عن أنّ الجميّل لم يتحمّس من الخطّة التي طرحها شارون، لأنّها تشمل دخول القوّات الإسرائيليّة إلى منطقة جونيية، الواقعة شمال بيروت، في عمق الأراضي التي يُسيطر عليها الموارنة، وذلك بهدف تطويق بيروت، على حدّ تعبير الكاتب.
أمّا فيما يتعلّق بالتواجد العسكريّ العربيّ-السوريّ في لبنان، فقد عبّر شارون خلال الاجتماع عينه عن أمله في أنّ العمليات العسكريّة ستدفع في نهاية المطاف السوريين إلى مغادرة لبنان بوسائل دبلوماسيّةٍ، مُشدّدًا على أنّ الجيش الإسرائيليّ لن يُواجه الجيش السوريّ، إلّا إذا قام الأخير بمُساعدة الفدائيين الفلسطينيين، وهو الأمر الذي تبينّ أنّه كان كذبًا، إذْ أنّ سلاح الجوّ الإسرائيليّ هاجم المضادات الجويّة السوريّة في بلاد الأرز، دون تدّخل الجيش السوريّ في الحرب، لافتًا إلى أنّ إصرار الجيش السوريّ أدّى إلى تأخير العملية الإسرائيليّة لعدّة أيّام، علمًا أنّه لم يكن بينهما تكافؤ في القوّة، وخصوصًا الجويّة.
المؤرّخ موريس أكّد في مراجعته للكتاب أنّ تسمية إسرائيل لما جري في العام 2006 بينها وبين حزب الله من مُواجهة عسكريّة بحرب لبنان الثانيّة ما هو إلّا هراء، وبرأيه لم تكُن حربًا، بل عمليّةُ عسكريّةً فاشلةً ومُخزيةً في إداراتها ونتائجها، على حدّ تعبيره.
علاوةً على ذلك، لفت موريس إلى أنّ حرب لبنان الأولى، أدّت إلى طرد مقاتلي وقادة منظمة التحرير الفلسطينيّة من لبنان إلى تونس، ولكن بشكل متناقضٍ للغاية، دفع هذا الطرد المنظّمة إلى الاعتدال، على الأقّل لفظيًا وباللغة الإنجليزيّة، وعمليًا قادت حرب لبنان الأولى، شدّدّ موريس، إلى توقيع إسرائيل والمنظمّة على اتفاق أوسلو في العام 1993، الأمر الذي سمح للمطرودين من لبنان إلى العودة بمُوافقةٍ إسرائيليّةٍ إلى مدن الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة.
بالإضافة إلى ذلك، أشار المؤرّخ موريس إلى حقيقةٍ جديدةٍ وهي أنّ طرد منظّمة التحرير الفلسطينيّة من لبنان فتح الباب على مصراعيه أمام نشوء وتأسيس حزب الله اللبنانيّ، الذي أثبت منذ نشأته الأولى على أنّه يتمتّع بقدراتٍ أكبر بكثيرٍ من المنظمّة في مُواجهة إسرائيل عسكريًا.
ورأى موريس أنّ حزب الله بات مثل نمسيس بالنسبة لإسرائيل، أيْ عدو خطير وعقائديّ، والكلمة مأخوذة من اليونانيّة، وفي الأساطير اليونانية، نمسيس هي الإلهة الحارسة على أقدار الأشياء، وحامية للآلهة من رذائل البشر، كما جاء في تعريفها العمليّ.
المؤرّخ موريس أكّد أيضًا على أنّه يُستشّف من الكتاب أنّ شارون كان “يحتقر جهل الوزراء” في حكومة مناحيم بيغن، وقام بما يحلو له، دون الحصول على إذنٍ من الحكومة، أوْ أنّه حصل على المُصادقة بعد تنفيذ العمليات، واختتم قائلاً إنّ أهمية الكتاب تكمن في أنّ المؤرّخين سيعتمدون عليه لكتابة تاريخ الحرب الأولى ضدّ لبنان بشكلٍ صحيحٍ ودقيقٍ.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية