كيف ستكون الحياة إذا اختفت الشبكة العنكبوتية؟
تهديدات الرئيس الاميركي دونالد ترامب لم توفر شبكة الانترنت فهو خلال حملاته الانتخابية اكد عزمه تشديد الرقابة على مواقع محددة من الانترنت في محاولة لمنع الارهابيين من التواصل او تجنيد أتباع باستخدام الشبكة. هذا ولد قلقاً ومخاوف لدى منظمة «ارشيف الانترنت»غير الربحية التي مقرها في سان فرنسيسكو بالولايات المتحدة دفعها الى العمل على بناء نسخة احتياطية من قاعدة بياناتها الضخمة في كندا، وذلك للحفاظ عليها من التهديدات الاجتماعية والبيئية واستعداداً لما قد تتعرض له من قيود رقابية بعد وصول ترامب الى كرسي الرئاسة.
شرعت المنظمة في تطبيق برنامج واسع لتوثيق تطور الانترنت من طريق ارشفة وحفظ المواقع و الوسائط المتعددة لعقدين من الزمن، الامر الذي يتيح لأي شخص إعادة النظر في شكل المواقع ومعلوماتها قبل اعوام مضت. وقال مؤسس المنظمة بيريوستر كاهلي ان «النتائج الصادمة للانتخابات تعني انه علينا العمل سريعاً للحفاظ على المواد الثقافية التي لدينا بشكل آمن بحيث يمكن الوصول اليها بشكل مستمر». ويسود اعتقاد راسخ لدى كاهلي بأن «مراقبة الحكومات في العالم للانترنت لن تتقلص، بل انها سوف تزيد، ولهذا اكد ضرورة الاستعداد في حال واجهت المواقع وشبكات الانترنت بشكل عام قيوداً اكبر».
مخاوف كاهلي تحولت صدمة بالنسبة إلى ملايين المستخدمين للانترنت حول العالم مع اعلان رئيس مجلس ادارة شركة غوغل ايريك شميدت في المنتدى الاقتصادي العالمي دافوس بأن «الانترنت ستختفي قريباً». وذكر تقرير نشرته المجلة التقنية (CNet) ان «تنبؤات شميدت تمثل استباقاً رؤيوياً لشيوع اجهزة الاستشعار القابلة للارتداد، والتي ستصبح جزءاً لا يتجزأ من عالمنا».
ونقلت عنه قوله في رده على سؤال عن مستقبل الشبكة العالمية»: سأجيب بشكل مختصر للغاية، ستظهر كميات كبيرة جداً مما يعرف باسم عناونين (IP) وهي وسائط وأجهزة ستستحوذ على حياتنا من دون ان نلحظ وجودها في العقد المقبل»، واضاف: «تخيل انك تمشي في غرفة يتحرك كل اجزائها وتتفاعل معك وفقاً لاوامرك»، وقال: «سيكون هناك عدد كبير من بروتوكولات الانترنت وكمية هائلة من الأجهزة والمستشعرات والأدوات التي نرتديها ونتفاعل معها، فلن نشعر بعد ذلك أن الانترنت موجود.
تخيل أنك تدخل غرفة وفجأة تصبح هذه الغرفة ديناميكية. وبالتالي ستتفاعل مع كل غرض موجود في داخل الغرفة». وتكلم شميت أيضاً عن «انترنت الأشياء» حيث تصبح الأدوات المتصلة بالانترنت من هواتف وساعات وأجهزة تحكم بالحرارة والمصابيح مبرمجة لتعمل بنفسها وبشكل فعال. ويعتقد شميت أن تفاعلنا مع هذه الأجهزة سيتحول إلى أمر بديهي ما سيشعرنا بأن الانترنت غير موجود.
يرجح خبراء الانترنت ظهور موجة جديدة من اللاعبين في سوق التقنيات والتكنولوجيا المعاصرة ستؤدي لا محالة الى اعادة تقاسم مناطق النفوذ، ويرجح شميدت «حدوث ازدهار كبير في ابتكار اجهزة الهواتف الذكية والآيباد، وكذلك دخول منظومة الانترنت النقال (4G) على حساب الحواسيب الثابتة و الشبكات المحلية.
ويشارك شميدت توقعاته رؤساء شركات التقنيات العملاقة مثل ميكروسوفت وياهو، ووفقاً لما نقلته عنهم الصحف، «ستحتل سوق الاجهزة المحمولة ومنظومات الاتصالات المتطورة لائحة المبيعات والانتشار الواسع، على خلاف المنظومات الثابتة خلال السنوات القليلة المقبلة».
الانترنت 2018
توقعت دراسة عن اتجاهات السوق اعدها مركز (Emarketer) ونشر نتائجها موقع (mashable.com) «ان اكثر من نصف سكان العالم سيستخدمون الانترنت حتى العام 2018». ويرى خبراء ان اكتظاظ الفضاء الالكتروني بالمستخدمين يبدو تجريدياً بعض الشيء، الا ان ارتفاع اعداد مستخدمي الشبكة سيفرض اجراء بعض التغييرات والتحسينات التكنولوجية: استقرار اكبر للروابط، وسرعة اعلى بكثير من المألوف، اضافة الى استثمارات في برامج امن الشبكات».
وبحسب الدراسة، فإنه حتى العام 2015 وصل عدد مستخدمي الشبكة الى 2,89 مليار شخص، اي ما يساوي 42,4 في المائة من سكان العالم. وحدثت قفزة في اعداد المستخدمين بالنسبة إلى هذا العام تبلغ 6,2 في المائة وسترتفع بشكل متدرج لتصل الى اثنين من كل خمسة اشخاص في العالم».
وتشير بيانات (eMarketer) الى «ان نسبة ارتفاع اعداد مستخدمي الانترنت ونموها ستكون اعلى بكثير خلال السنوات الاربع المقبلة، فمثلاً ستصل خلال العام المقبل 2018 الى اكثر من 3,6 مليار شخص او ما يمثل نصف سكان العالم تقريباً».
ويعتقد الخبراء «ان هذا الارتفاع الهائل في اعداد المستخدمين يعود الى انخفاض اسعار الهواتف المحمولة، وايضاً الى تحسن وتطور الخدمات الالكترونية (اونلاين) في اسواق دول مثل الهند واندونيسيا».
ان تحسن البنى التحتية وسهولة حصول اعداد كبيرة جدا من الناس على خدمات الانترنت ستؤدي الى زيادة بمعدل الضعفين في البلدان ذات الاسواق والاقتصادات النامية. ويرى الخبراء ان هذه الخدمات ستتكاثر وتنمو بسبب الدعم الاضافي الذي تقدمه المنظمات غير الحكومية، اضافة الى شركات تقنيات الانترنت الكبرى التي ستحقق فوائد اقتصادية ضخمة فيما لو جعلت خدمات الانترنت وتقنياته في متناول اكبر عدد ممكن من الناس.
فعلى سبيل المثال تقوم منظمة (Internet.org) غير الربحية بتأمين خدمة الانترنت مجاناً في زيمبابوي وجنوب افريقيا، وتخطط لتوسيع خدماتها المجانية لتصل الى اجزاء اخرى من العالم. وكان مؤسس «فايسبوك» مارك زوكربرغ شرع بالتعاون وبدعم من شركات عملاقة اخرى مثل (Ericcson) و(Nokia) و(Qualcomm) و(Samsung) في برنامج لتقديم خدمات افضل واجهزة ارخص للهواتف والاتصالات المتنقلة ما ادى الى تحقيق مبيعات اكبر».
اجرت (Emarketer) دراسة خاصة لاستكشاف في اي البلدان يوجد عدد اكبر من مستخدمي الانترنت، وتبين ان الصين تتصدر اللائحة بعدد وصل الى620.7 مليون شخص خلال العام 2013، تليها في المرتبة الثانية الولايات المتحدة بعدد بلغ 246 مليون شخص. ويعتقد الخبراء ان الدول التي لا تتصدر اللائحة الآن ستحتل المراتب الاولى في السنوات القليلة المقبلة. ووفقاً للدراسة، فإن البرازيل ستسبق اليابان، فيما ستحتل الهند موقع الولايات المتحدة خلال العام الجاري، وهو ما يسري ايضاً على الصين.
ماذا لو توقف الانترنت في كل العالم؟
اصبح من الصعب تصور العالم من دون خدمة الانترنت، ومع مرور الوقت ادمن الملايين من الناس على الانترنت واصبح جزءاً لا يتجزأ من حياتهم اليومية، وأحد متطلبات العيش الطبيعي وشروطه ومن دونه يشعر الناس بفراغ روحي ونفسي وحاجة ملحة لا تقل عن الغذاء والمياه والنوم وسماع الموسيقى ومشاهدة التلفزيون والسينما؟
في العام 2008، تحدى جيف هانكوك، الأستاذ بجامعة ستانفورد، الذي يدرس أيضاً التبعات النفسية والاجتماعية للتواصل عبر الإنترنت، طلابه لقياس قدرتهم على الاستغناء عن الإنترنت ليومين خلال عطلة نهاية الأسبوع، ثم يناقش معهم كيف أثر ذلك عليهم. لكن بعد أن عاد هانكوك من إجازة التفرغ عام 2009، لم تعد الأمور كسابق عهدها. يقول هانكوك: «عندما عرضت على الطلاب هذا التحدي، ثارت ثائرتهم. وقالوا إن هذا الفرض مستحيل، وجائر».
وزعم الطلاب أن الانقطاع عن الإنترنت في عطلة نهاية الأسبوع سيمنعهم من إكمال واجباتهم في المواد الأخرى، ويدمر حياتهم الاجتماعية، وقد يجعل أصدقاءهم وأهلهم يشعرون بالقلق عليهم، ثم اضطر هانكوك إلى إلغاء هذا التحدي تماماً، ولم يحاول أن يعيد اللعبة. ويقول هانكوك: «كان هذا في عام 2009، أما الآن فمع وجود الهواتف المحمولة، لا أعرف كيف سيكون رد فعل الطلاب إن طلبت منهم ذلك».
الإنترنت والحياة اليومية
في عام 1995، كان عدد مستخدمي الإنترنت أقل من واحد في المئة فقط من سكان العالم، وكان أغلبهم من الغرب، ويستخدمونه بدافع الفضول. وبعد 20 سنة، وحتى يومنا هذا، يستخدم الإنترنت ما يزيد على ثلاثة ونصف مليار شخص، أي ما يقرب من نصف سكان العالم، ويزداد عدد مستخدميه بمعدل عشرة أشخاص تقريباً كل ثانية.
ووفقاً لمركز «بيو» للأبحاث، يقول خُمس الأميركيين إنهم يستخدمون الإنترنت «بلا انقطاع تقريبا»، في حين يقول 73 في المئة منهم إنهم يستخدمونه يومياً على الأقل. وخلص استطلاع للرأي، أُجري في المملكة المتحدة عام 2016، إلى أن نحو 90 في المئة من البالغين استخدموا الإنترنت في الأشهر الثلاثة السابقة لإجراء الاستطلاع.
يقول ويليام داتون بجامعة ميتشيغان، ومؤلف كتاب «المجتمع والإنترنت»: «المشكلة أن الناس الآن لا يمكنهم تصور انقطاع الإنترنت، إلا أنهم لا يدركون مدى تغلغل الإنترنت في كل جوانب حياتهم تقريباً». اما سكوت بورغ، من وحدة دراسة تبعات الهجمات الإلكترونية بالولايات المتحدة، وهي مؤسسة غير ربحية، فيرى «أن موفري خدمات الإنترنت والشركات التي تصنع معدات توجيه المعلومات على شبكة الإنترنت لديهم من الخطط والعاملين ما يكفي لإعادة تشغيل الإنترنت على الفور إذا ما تعرض لهجمات غير متوقعة».
أما عن الآثار النفسية، فعندما ينقطع الاتصال يشعر الناس بالعزلة والقلق. ويقول هانكوك: «إن الإنترنت مصمم بالأساس ليسمح بالتواصل بين الناس». وقد اعتدنا التواصل مع أي شخص في أي وقت وفي أي مكان.
صحيفة الحياة اللندنية