كيف يحسن الصوم الصحة النفسية ؟؟
عند دخول شهر رمضان الكريم لا بد أننا جميعًا قد سمعنا الكثير من الكلام حول مدى روعة الصيام والأجواء الروحانية الجميلة خلال شهر رمضان وتأثيرها الإيجابي على صحتنا النفسية … حسنًا لحظة واحدة .. أنا أقول أننا سمعنا عن هذا فقط ؟ معذرة، لكن أغلبنا لم يسمع فقط، بل عايش هذه الأجواء الجميلة في الشهر الكريم عام وراء عام. لكن ما هو السر وراء هذه الفرحة والطمأنينة التي تغمرنا خلال الشهر الكريم؟ هذا هو ما سنحاول كشفه من خلال الدراسات العلمية في مقالنا هذا حول تأثير الصيام على الصحة النفسية.
ما هو فضل الصيام في رمضان على الصحة النفسية ؟
هناك عدة آثار وجدت مصاحبة للصيام واتفقت عليها أغلب الدراسات، وأهمها :
1) الصيام ليس له تأثير سلبي على الحالة النفسية. 2) الصيام يساعد على تحسين الحالة المزاجية وقدرة الإنسان على التعامل مع الضغوط. 3) الصيام يرتبط باضطرابات في نمط النوم. 4) اضطرابات نمط النوم في رمضان يترتب عليها انخفاض القدرات الإدراكية في النهار. 5) الآثار الايجابية للصيام على الحالة النفسية غالبًا ما تعتمد على خوض الإنسان للصيام كتجربة روحانية كاملة وليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب. 6) آثار الصيام والتوازنات الهرمونية المصاحبة له تختلف وفق أيام الصيام؛ حيث إن التغيرات التي تحدث في الأيام الأولى تختلف عن التغيرات التي تحدث في الأيام التالية لها على سبيل المثال. ربما لاحظنا جميعنا هذا النوع من التغيرات النفسية واختبرناه في رمضان.
والآن سوف نقوم بتوضيح الجوانب العلمية وراء هذا التغير في ضوء الدراسات التي أجريت في هذا الصدد. لكن علينا أن نراعي في هذه الدراسات عدة جوانب نذكرها حرصًا على الأمانة العلمية وتوضيح نقاط القوة ونقاط الضعف، وأهم هذه الجوانب:
1) الدراسات المتوافرة حول تأثير الصيام على الصحة النفسية محدودة نسبيًا، وذلك انعكاس طبيعي لتردي أوضاع البحث العلمي في عالمنا العربي. 2) أغلب الدراسات تشير في نهايتها إلى الحاجة إلى إجراء دراسات موسعة تشمل مزيد من العينات. 3) اختلاف طبيعة العينات من دراسة لأخرى يؤدي إلى وجود بعض الاختلافات التي تتراوح بين الطفيفة والشائعة في النتائج النهائية. 4) في هذا المقال نحاول أن نركز على الجوانب التي يوجد عليها اتفاق فيها يخص الآثار النفسية للصيام.
كيف يحسن الصوم من الحالة النفسية ؟ تأثير الصوم على الحالة النفسية يعتمد من الناحية العضوية على عدة محاور:
1) التحولات الهرمونية خلال الصيام : – زيادة هرمون التي يفرزها الجسم عند تعرضه لضغط (يتمثل الضغط في هذه الحالة في عدم الحصول على طعام لعدة ساعات)، وتشمل هذه الهرمونات الأدرينالين والكورتيزون والدوبامين. – انخفاض نسب هرمون الغدة الدرقية. – زيادة إفراز الاندورفينات (وهي بمثابة مورفين طبيعي يفرزه الجسم). 2) طول مدة الصيام : – تبدأ زيادة إفراز الاندورفينات بعد الصيام مدة في حدود 5 أيام . – تبدأ علامات التحسن المزاجي في الظهور بعد حوالي 8 أيام من الصيام. 3) آثار انخفاض الجلوكوز على المخ : وجدت بعض الدراسات أن انخفاض نسبة الجلوكوز الذي يصل للمخ خلال فترات الصيام يرتبط بآليات عصبية لتعويض ذلك النقص؛ حيث يقوم خلالها الجهاز العصبي بزيادة فاعليته الوظيفية . 4) آثار تغير نمط النوم : – هناك نمط طبيعي من النوم لدى كل إنسان، و هذا النمط يرتبط بتنظيم الجسم لدرجة حرارته؛ بمعنى أن حرارة الجسم المرتفعة يصاحبها شعور باليقظة، بينما حرارة الجسم المنخفضة يصاحبها شعور بالرغبة في النوم. – في رمضان لوحظ أن هناك تغيرات في هذا النمط: * حيث يؤدي الصيام في النهار لى انخفاض معدلات الطاقة وبالتالي انخفاض درجة حرارة الجسم مما يزيد الشعور بالنعاس نسبيًا. * بينما يؤدي الإفطار والتغذية المتكررة في المساء إلى زيادة معدلات الطاقة وبالتالي ارتفاع حرارة الجسم؛ مما يزيد الشعور باليقظة في المساء ويجعل النوم أصعب. – هذه التغيرات ترتبط بانعكاسات سلبية في صباح اليوم التالي تتناسب طرديًا مع النقص في ساعات النوم الليلية، وتشمل هذه الانعكاسات السلبية: * انخفاض القدرة على التركيز . * بطء التفكير و الفهم . * العصبية الزائدة . 5) دور الصيام كنشاط روحاني : – جزء كبير من تحليل الآثار الإيجابية للصيام على الصحة النفسية يرجع إلى تخطي الصائم لمرحلة الامتناع المجرد عن الطعام والشراب، إلى مرحلة الارتقاء الروحاني في الصيام كنشاط ديني. – و أهم جوانب الارتقاء الروحاني في الصيام التي لها دور في أثره الإيجابي على الحالة النفسية تشمل: * زيادة الترابط و التواصل الاجتماعي في رمضان. * القدرة على ضبط النفس وعدم الاستسلام لاندفاع الغضب. * السعي للالتزام بالنصائح الأخلاقية للدين للحصول على أكبر ثواب من الصيام. 6) الحالة الصحية العامة للشخص : – من ضمن العوامل ذات التأثير المحوري على الحالة النفسية في رمضان هو الحالة الصحية العامة للشخص. – وجود عادات صحية سلبية مثل التدخين يفاقم من التوتر والعصبية خلال فترة الصيام. – وجود مشكلات صحية مثل الأمراض المزمنة مع عدم الانتظام على الدواء قد يؤدي إلى زيادة شعور المريض بالتوتر. – على العكس، فإن أصحاب الأمراض المزمنة المنتظمين على الخطة العلاجية في رمضان لا يعانون من آثار عكسية خطرة. المريض النفسي والصيام في رمضان : تشير بعض الدراسات التي أجريت على مرضى نفسيين مصابين باضطرابات مزاجية ومنتظمين على دواء ليثيوم، أن رمضان يصاحبه تحسن إيجابي في الحالة العامة للمريض مع ثبات نسب الدواء في الدم.
ومن الأمور المدهشة أن بعض الدراسات الأخرى التي أجريت على مرضى نفسيين آخرين بنمط غذائي مقيد لبضعة أشهر ولكن دون التزام بنمط الصيام الرمضاني لم تظهر نفس النتائج الإيجابية. وبشكل عام يرتبط تحسن حالة المريض النفسي في رمضان بالعوامل التالية :
1) استقرار الحالة النفسية للمريض؛ حيث إن المرضى في المراحل المتقدمة من المرض النفسي قبل الحصول على علاج لا يناسبهم الصيام. 2) الحصول على إذن الطبيب المعالج بالصيام؛ حيث أن اطلاع الطبيب النفسي المتابع للحالة الفردية يمكنه من توجيه المريض لما إذا كانت حالته تسمح بالصيام وتستفيد منه بالفعل أم لا. 3) استغلال الأجواء الرمضانية الاجتماعية لتعزيز الدعم العائلي للمريض. 4) الانتظام على الخطة العلاجية خلال رمضان، وضبط مواعيد الجرعات الدوائية مع الطبيب وفقًا لمواعيد الصيام إذا أمكن. 5) عدم اقتصار المريض النفسي على صيام رمضان كمجرد امتناع عن الطعام والشراب، ولكن الاندماج في التجربة الروحانية بكاملها. 6) الصيام في رمضان يساعد على تحسين ثقة المريض في نفسه و ممارسته لعمل يقربه من الله يساعده على تقدير الذات بشكل أكبر. هل الصيام علاج للأمراض النفسية ؟ الإجابة على هذا السؤال تتوقف على المقصود فعلا من كلمة الأمراض النفسية. 1) الضغوط النفسية : – الضغوط النفسية هي مشكلات نمر بها جميعًا خلال حياتنا، ويصاحبها شعور بالقلق والتوتر، هذه الضغوط لا تعد مرضًا نفسيًا بالمعنى العلمي ما دامت لا تؤثر على قدرة الإنسان الوظيفية والاجتماعية. – هذه الضغوط النفسية تكون قابلة للتحسن بشكل كبير في رمضان بناء على العوامل السابق ذكرها. 2) الأمراض النفسية : – الأمراض النفسية هي مشكلات صحية جادة يتم تشخيصها من قبل طبيب نفسي متخصص وتشمل نطاقًا واسعًا من الأمراض مثل الاكتئاب واضطرابات المزاج والوساوس واضطرابات التوتر وغيرها. – هذه الأمراض النفسية لا يكون الصيام وحده كافيًا لعلاجها؛ حيث إنها غالبًا ما تتطلب: * تقييمًا نفسيًا متخصصًا لتأكيد التشخيص. * جلسات علاج نفسي وسلوكي. * علاجات دوائية مثل مضادات الاكتئاب على سبيل المثال . هل صيام رمضان يعالج الاكتئاب ؟ بما أن الاكتئاب يعتبر أحد الأمراض النفسية، فإن الإجابة على هذا السؤال ببساطة هي نفس السطور الواردة في الفقرة السابقة. مع التأكيد على التفريق بين الاكتئاب كمرض نفسي، وبين الاكتئاب كشعور عام وعابر يحدث لنا في أوقات الضغوط النفسية أو الاحباطات. تهيئة الطفل نفسيًا لقدوم رمضان : الأطفال هم لبنات المستقبل لأمتنا؛ لذا ينبغي أن يكون تهيئة الطفل نفسيًا لقدوم رمضان ولفكرة الصيام مبنية على أساس منطقي راسخ يساعد الطفل على إدراك القيمة الدينية والمعنوية للصيام، وقد تحدثنا في مقال آخر عن كل ما يتعلق بصيام الأطفال وتشجيعهم عليه.. هكذا يتضح لنا حكمة المولى عز و جل من الصيام، ولا يسعنا في النهاية سوى أن نتذكر حديث رسوله الكريم (رُبَّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع)؛ حيث يظهر من المعلومات المتوافرة أن الأثر الإيجابي للصيام على الصحة النفسية يتزايد مع التزام الصائم بأخلاقيات الصيام والسلوكيات الطيبة، وليس فقط الامتناع عن الطعام والشراب.
موقع كل يوم معلومة طبية