لا تخافوا من التاريخ .. أبقوا على القصص التي أحببناها!
هذه الأيام هناك من يريدنا أن نخاف من التاريخ !
هل يمكن لشعب أن يخاف من تاريخه ؟!
أبدا لا أحد يخاف من تاريخه، وما يحصل أنهم يريدوننا أن نشكك في كل شيء من حولنا، أن اللون الأبيض ليس أبيض، وأن الفرسان ليسوا فرسانا، وأن الكفاح الوطني ضد الاستعمار خاطئ وعمل إرهابي، لابل علينا أن نغير كل قناعاتنا لنكتشف أن مافي تاريخنا كان عارا !!
من الطبيعي أن يحتوي التاريخ على المآسي، ومن الطبيعي أن تمر مراحل سوداء، وحصل هذا في تاريخ شعوب العالم كلها.. وبالنسبة لنا الجميل هو ما جعلنا نستمر حتى الآن، والقبيح هو مايحول دون استعادتنا لمكانتنا، ولكي أبسط فكرتي سأستشهد بالحكايات المقتبسة من تاريخنا، ففيها صور أجمل مما نتوقع، بينما في الحكايات التي يروونها في هذه الآونة صور مروعة مخيفة ..
حكتْ لي جدتي عن علي بن أبي طالب، وكان أميرا للمؤمنين، بأنه أضاع الدرع التي يلبسها أثناء القتال، وذات يوم شاهدها عند يهودي، فلم يعتقله ولم يقطع رأسه بل اشتكاه إلى القاضي وحكم القاضي لليهودي لأنه لم يقبل شهود علي، ورضي علي بالحكم، أما اليهودي، فعندما وجد هذه العدالة والمواطنة عند أمير المؤمنين أسلم، وقالت جدتي : اليهودي أسلم لأنه رأى بعينيه صورة العدالة، ولم يرغمه أحد على اعتناق الإسلام!
في الغرب يعتبر الحكايات المماثلة في حضارته اليوم صورة تروج لأفكار الغرب التي أرادها فوكوياما نهاية التاريخ!
وسألتُ أبي ذات يوم، وكان أستاذا معروفا، عن عثمان بن عفان: هل صحيح أنه كان برجوازيا؟ فرد أبي وهو يضحك من المصطلح : ليكن، أطلق عليه ماتشاء، فعثمان ورغم غناه كان يطعم الناس طعام الإمارة، ويدخل إلى بيته فيأكل الخل والزيت.
وأضاف أبي: ولكن اسمع ماذا فعل أيضا: ذات يوم حصل قحط شديد، وجاع الناس فإذا بقافلة من قوافل تجارته مليئة بالبضائع تدخل المدينة، فتجمّع التجارُ لشرائها وزجها في السوق، ليشتري الناس طعامهم منها، وسألوه أن يبيعها بسعر مضاعف فأبى، فزادوا في السعر فأبى، فزادوا فأبى، فقالوا: ياعثمان .. أعطيناك أضعافا، فكم تريد ؟! فأجابهم : سأبيعها بعشرة أضعاف. ووزعها على الناس بالمجان قائلا : إن الله يعطيني عشرة أضعاف ماقدمت !
وفي قصة من قصص مدرستي المدونة في أحد الكتب قرأت أن قبطيا من أرض مصر سَابَق محمد بن عمرو بن العاص فسَبَقَه، فقام محمد بن عمرو، وكان أبوه واليا على مصر بضرب القبطي قائلا: خذها وأنا ابن الأكرمين..
ذهب القبطي إلى عمر بن الخطاب واشتكى الحاكم الظالم، فأرسل عمر يطلب حضور والي مصر مع ابنه، وعندما وصلا طلب عمر من القبطي أن يضرب ابن الأكرمين، فضربه، فقال عمر: أدر السوط على صلعة عمرو بن العاص، فوالله ما ضربك ولده إلا بسلطان أبيه. وأطلق عمر جملته الشهيرة:
“متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً.. “
وقيل إن رجلا أراد أن يشتري فرس حاتم الطي، الذي يمثل صورة الكرم في التاريخ العربي، وكانت فرسه مشهورة في قوتها وعدوها، فذهب وحل ضيفا عليه ليشتري الفرس، ولم يكن لدى الطائي مايطعم ضيفه فذبح الفرس وأطعمه من لحمها..
وفي قصص التاريخ أشياء جميلة وصلت إلينا، وفي كل يوم نجد أننا بحاجة إليها وإلى معانيها وإلى حكمتها، من أجل العدالة والحكمة والثقة بين الناس، إلاّ أن قصصا أخرى راحت تُنبَش من أوراق التاريخ، فيأتي بها الكتاب وأهل الفن ليروجونها فتمزق وحدتنا وتسيء إلى استقرارنا، وتسعى إلى إضعافنا، والغريب أن هذه الحكايات السوداء تقدم لنا بأحدث الأساليب لتصل إلى كل الناس ، وكأن التاريخ عار ينبغي الخلاص منه !