لبنان بلا حكومة إلى أجل غير مسمى
لم يسفر اجتماع عُقد اليوم الاثنين بين الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الوزراء المكلف سعد الحريري عن اتفاق على حكومة جديدة. وقال الحريري بعد الاجتماع إن عون أصر على أن يحظى حلفاؤه السياسيون بأغلبية مُعطلة في الحكومة، فيما عبرت الرئاسة اللبنانية عن استغرابها مما جاء لسان الحريري.
وأضاف أن عون أرسل له أمس الأحد لائحة تتضمن “تشكيلة ثانية من عنده فيها توزيع للحقائب على الطوائف والأحزاب مع رسالة يقول لي فيها إنه من المستحسن أن أملأها“.
وتابع “بكل شفافية سأقول لكم ما قلته له اليوم: أولا هذه غير مقبولة لأن الرئيس المكلف مش شغلته أن يعبي أوراق من أحد ولا شغلة رئيس جمهورية أن يشكل حكومة. وثانيا لأن دستورنا يقول بوضوح إن رئيس الحكومة يشكل ويضع الأسماء ويتناقش بتشكيلته مع فخامته”.
وجاء عدم الاتفاق بعد إشارة إيجابية يوم الخميس حين اجتمع عون والحريري وقال الأخير إن الأولوية هي تشكيل حكومة تستأنف المحادثات مع صندوق النقد الدولي.
وتبدّدت الآمال الضئيلة بتشكيل حكومة لبنانية قريبا بعد زيارة قام بها الحريري الاثنين إلى القصر الجمهوري أدلى بعدها بتصريح مدوّ أكدّ عدم الاتفاق على تشكيلة الحكومة المنتظرة منذ سبعة أشهر، وعكس عمق الهوة الكبيرة بين الطرفين.
وعلى الأثر، أدلى الرئيس اللبناني ميشال عون بتصريح أنكر فيه بعض ما جاء على لسان الحريري “منفعلا”.
وكان الحريري اتهم بعد زيارة هي الثامنة عشرة إلى القصر الجمهوري منذ تكليفه في أكتوبر/تشرين الأول، عون بتعطيل مساعيه في تشكيل حكومة.
وقال في تصريح لصحافيين “طلبت من فخامة الرئيس أن يسمع أوجاع اللبنانيين ويعطي البلد فرصته الوحيدة والأخيرة بحكومة اختصاصيين تقوم بالإصلاحات وتوقف الانهيار، بلا تعطيل ولا اعتبارات حزبية ضيقة”.
وأضاف أنه سلّم عون تشكيلة الحكومة “قبل مئة يوم”، وأنه أبدى انفتاحا “لأي اقتراحات وتعديلات بالأسماء والحقائب، لكن مع الأسف جوابه الواضح كان: الثلث المعطّل”.
ويتمسك فريق رئيس الجمهورية المتحالف مع حزب الله (التيار الوطني الحر برئاسة جبران باسيل صهر عون) بالحصول على أكثرية تضمن له حق نقض القرارات الحكومية، تسمى الثلث المعطل، بينما يصرّ الحريري وأطراف أخرى على أن تكون حقائب معينة من نصيب فريقهم السياسي.
وردّ عون في بيان قائلا “إن رئاسة الجمهورية فوجئت بكلام وأسلوب رئيس الحكومة المكلف شكلا ومضمونا”. ونفى أن يكون أرسل تشكيلة حكومية إلى الحريري تتضمن “ثلثا معطلا”، مشيرا إلى أنه أرسل “ورقة تنص فقط على منهجية الحكومة”.
وينص الدستور على أن تُشكل الحكومة بالتنسيق بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف، لكنه لا يحدد مهلة لتأليفها.
ومنذ تكليفه، يقول الحريري إنه سيشكل حكومة اختصاصيين من 18 وزيرا، متذرعا بأن الشارع الناقم على الطبقة السياسية يطالب بها من أجل وقف الفساد وتنفيذ إصلاحات وضعها المجتمع الدولي شرطا لحصول لبنان على دعم مالي ينهض به من الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة والمتواصلة منذ عام ونصف العام.
وتفاقم المراوحة السياسية الانهيار الاقتصادي الذي تسبّب بتدهور قياسي في قيمة العملة المحلية وبارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
ودعا الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله من جهته الجمعة إلى تشكيل حكومة “تكنوسياسية” لكي “لا نشكل حكومة تسقط بعد أسبوعين أو شهرين في الشارع”، محذرا من أن “حكومة الاختصاصيين إذا لم تحمها القوى السياسية لن تتمكن من حماية البلد”.
ووزّع الحريري إثر لقائه الرئيس التشكيلة الحكومية التي قال إنه اقترحها على عون وتتضمن أسماء جديدة في المجال السياسي ومن شأن بعضها أن يحظى بثقة الشارع مثل مدير مستشفى رئيس الحريري الحكومي فراس أبيض الذي تحول العام الماضي إلى مرجع موثوق في جهود التصدي لفيروس كورونا والأستاذ في الجامعة الأميركية في بيروت ناصر ياسين وأستاذة العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف فاديا كيوان.
وقال عون في بيانه إن التشكيلة التي وزعها الحريري “منفعلا”، “لم تحظ بموافقة رئيس الجمهورية كي تكتمل عناصر التأليف الجوهرية”. ولم يجر تحديد موعد لقاء جديد بين المسؤولين.
وشهد لبنان في أكتوبر/تشرين الأول 2019 انتفاضة شعبية عارمة استمرت أشهرا تطالب بتغيير الطبقة السياسية كاملة بسبب فسادها وعجزها عن حل أزمات مزمنة. وسقطت حكومة كان يرأسها الحريري في حينه، فشكلت حكومة “تكنوقراط” برئاسة حسان دياب، ما لبثت أن قدمت استقالتها بعد انفجار مروّع في مرفأ بيروت حصد أكثر من مئتي قتيل ودّمر أجزاء واسعة من بيروت.
وتجددت مطلع الشهر الحالي الاحتجاجات الشعبية على وقع تدهور قياسي في قيمة الليرة، إذ لامس سعر صرف الدولار الثلاثاء الماضي عتبة 15 ألف ليرة في السوق السوداء، قبل أن يتراجع تدريجا إلى حدود 11 ألفا.
وتعرّض المسؤولون اللبنانيون لضغوط دولية كثيرة لا سيما من فرنسا من أجل التجاوب مع مطالب الناس وتشكيل حكومة تتمتع بالمصداقية. ولوّحت باريس مؤخرا بفرض عقوبات على المسؤولين اللبنانيين.
وغالبا ما يستغرق تشكيل الحكومات في لبنان أشهرا طويلة جراء الانقسامات السياسية الحادة والخلاف على الحصص.
وكان الأسبوع الماضي شهد تصعيدا كلاميا بين الحريري وعون. وخيّر عون الحريري بين تشكيل حكومة بشكل “فوري” أو التنحي. وردّ الحريري مبديا استعداده لعرض تشكيلة حكومية، لكنه طالب عون في حال عجزه عن التوقيع عليها بإفساح المجال أمام انتخابات رئاسية مبكرة.
وبدّت الأجواء ضبابية حتى قبل لقاء الحريري وعون الاثنين. وقال مسؤول سياسي مطلع على محادثات تشكيل الحكومة “الوضع لا يبشر بولادة حكومة”.
وكتبت صحيفة الأخبار المحلية الاثنين “يعود الرئيس سعد الحريري إلى قصر بعبدا مجددا، من دون أي آمال بإمكان إحداث خرق في جدار الأزمة الحكومية المستمرة. لا تزال الأمور على حالها… حتى الآن لا تظهر أي بوادر لحل الأزمة المستعصية”.
ميجل إيست أونلاين