لعبة الهويات
مهمة الطاغية…أن يجعلك فقيرا،
ومهمة شيخ الطاغية أن يجعل وعيك غائبا – ماركس
__________________________________________
في النقاش حول الطائفية في سورية، يسود نغم جديد، يؤسس لمديح جماليات الطوائف، وذلك بتعداد الخصوصيات، والفولكلور، وحتمية الاختلاف، وضرورة أن يكون لكل طائفة معملها الخاص بانتاج الخصوصية وتطويرها وشرعنتها.
هذا النقاش، من وجهة نظر الوقائع، مكتوب بدم السوريين كلهم بصرف النظر عن الطائفة … ذلك لأنك لا تستطيع التأكد، وأنت في الميدان الحربي، من هوية المقتول إلا بعد التفحص الحربي الجنائي لجثته.
حجة من يشرعن خصوصيات الطوائف…أن “الوحدة دائماً من إنتاج التنوع”. ولكن ينسى هؤلاء أن الهويات الصغرى، المسلحة والعنيفة، لا يمكن أن تندمج، لحظة الحرب، في الهويات الكبرى. وإذا وضعنا الأمور في محلّها…يجب القول أن الإيمان مستبعد، والخيارات في الانتماء مستبعدة ووجودك في الحيز المقدس للطائفة…هو محض صدفة تناسلية لا يد لك فيها. وأن امتحانات الخيارات يبدأ بمعرفة الأديان كلها والتعرف إلى مزاياها وعيوبها كلها، ثم تختار الهوية: الدين والمذهب….اواللادين.
في حالة الاتنماء إلى دين أو طائفة…بالاختيار الحر، سيكون بوسعك القول: إنني انتقلت من الغريزة إلى الحب، ومن الشك إلى اليقين، ومن العدمية إلى الانتماء. ومن الأصغر إلى الأكبر.
أخطر ما في التنظير لمديح الطوائف هو اللعب بمفردات الفراق، والانشقاق، والتحارب والتعصب. اللعب بنوايا طيبة تنطوي على الشريرة.
ثم أنني لا أعتقد بوجود سجايا ومزايا لطائفة ما تفوق بما ما عداها… فالغناء، والرقص، والأشعار، والألبسة ومفردات العيش… كلها متشابهة. ولا عبقرية يمكن احتسابها، كخطوة ناقصة أو زائدة، في رقصة العلوي، والأدلبي، والكردي، والشيعي، والسني والحلبي. إلا إذا افتخرنا باللهجات المتنوعة بين قاف. وغاف. وآف.التنظير للخصوصبة هو مسودة مطالب للقسمة، وانضباط القطيع، وإعادة رسم أماكن العيش بحيث يغدو مشتركاً على الخريطة، منقسماً في الواقع.
إن سورية كلها، بالكاد، تصلح لأن تكون محافظة واحدة في بلاد شاسعة…كالصين وروسيا، والسسودان، وفرنسا…
إذا كان المقصود الاعتراف بالطوائف لإنهاء الحرب بالمحاصصة، فإن ثقافة الوحدة الجغرافية السورية سوف تمجّد التقسيم، وتعلن بداية عصر المديح للتكاثر(التناسلي) من أجل الأكثرية العددية مقابل النوع الاخر من الأغلبية… وهي أغلبية الجماعة السياسية الوطنية.
هذه الطروحات تؤسس للاستخفاف بالهوية الوطنية الكبرى، وتشرعن لفائض العنف، دفاعاً عن الوجود والمحاصصة، هذه الأطروحات تزوير لأسباب الأزمة السورية. واستغلال لضعف البشر في لحظة الخطر.