لعنة ليبيا تُقسِّم حِلف الناتو وتضعه في غُرفة العِناية المركّزة.. كيف “أجّل” التّحالف الروسي الفرنسي المُفاجئ “معركة سرت”؟
تندلع حرب تصريحات شَرِسَة هذه الأيّام بين كُل مِن فرنسا وتركيا، الدّولتين العُضوين في حِلف الناتو، بسبب وقوف كُل منهما في خَندقيّ المُواجهة المُتضادّين في الأزمة الليبيّة.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ندّد يوم أمس الاثنين بـ”المسؤوليّة التاريخيّة الإجراميّة للسلّطات التركيّة في ليبيا، فرَد عليه السيّد مولود جاويش أوغلو، وزير الخارجيّة التركي بأنّ فرنسا تتّبع نهجًا تدميريًّا في ليبيا بتعزيزها للوجود الروسيّ، ودعمها للجِنرال خليفة حفتر في مُواجهة تركيا زميلتها في حِلف الناتو.
هذا التوتّر في العُلاقات التركيّة الفرنسيّة جاء بعد اتّهام وزارة الدّفاع الفرنسيّة لسُفنٍ تركيّةٍ بنقل مُقاتلين إلى ليبيا، ومنع سُفن الحِماية التّابعة لها فُرقاطة فرنسيّة مِن تفتيشها في عرض البَحر.
تركيا نفَت هذه الاتّهامات، وأعادت تنبيه فرنسا بأنّهما ينتميان إلى حِلف الأطلسي (الناتو) الذي من المُفترض أن يَقِف ضدّ التدخّل الروسيّ في ليبيا الذي يُشَكِّل تهديدًا للحِلف وخططه الاستراتيجيّة في شرق المتوسّط؟
الأمر المُؤكّد أنّ هذا التّقارب الروسيّ الفرنسيّ المُفاجئ في الأزمة الليبيّة يُقلِق تركيا لأنّه يُعزِّز الجبهة المُعادية لها التي يَضُم أيضًا كُل مِن مِصر والسعوديّة والإمارات واليونان، بينما يقتصر الحِلف التركيّ على دولة قطر، ودعم “شفَهي” من قبل إيطاليا لا يُمكن الوثوق به.
خريطة التّحالفات هذه، وتصاعُد التوتّر الفرنسي التركي، كان لهما انعِكاساتهما على تطوّرات الأوضاع الرّاهنة في الأزمة الليبيّة، وأبرزها، حُدوث انقِسام غير مسبوق، وكبير، في حِلف “الناتو” أوّلًا، وتأجيل معركة سرت المصيريّة التي تَحشِد الأطراف المُتحارِبة كُل قُدراتها العسكريّة استِعدادًا لخوضها ثانيًا.
فرنسا قَلِقَةٌ من التّهديدات التركيّة بالسّيطرة على سرت والجفرة المدينتين اللّتين تُعتبر الأُولى (سرت) البوّابة الرئيسيّة للسّيطرة عل الهِلال النّفطي في برقة، وتُعتبر الثّانية بوّابة السّاحل الإفريقي، وحُقول الغاز قُرب الحُدود الجزائريّة الجنوبيّة، إضافةً لوجود قاعدة جويّة لا تَقِل أهميّةً عن قاعدة عقبة بن نافع (الوطية) جنوب غرب طرابلس.
حُضور الرئيس ماكرون لقمّة دولة السّاحل التي بدأت أعمالها اليوم في نواكشوط، العاصمة الموريتانيّة، بحُضور قادة النّيجر وتشاد وبوركينا فاسو ومالي إلى جانب الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني، يأتي تعبيرًا عن هذا القلق، فوصول قوّات حُكومة الوفاق الليبيّة المُعترف بها دوليًّا إلى الجنوب اللّيبي (فزان) والمُقاتلين الإسلاميين المُتطرّفين الذين جلبَتهم تركيا مِن سورية (ارتفع عددهم إلى 17 ألفًا حسب تقارير صحفيّة) يعني تهديد النّفوذ الفِرنسي في هذه المِنطقة، أي السّاحل الإفريقي، التي تشهد حاليًّا نشاطًا عسكريًّا مُكثَّفًا ضِدّ القوّات الفرنسيّة في مالي.
لا نَعرِف كيف ستتطوّر هذه الحرب الكلاميّة الفرنسيّة التركيّة، ولكن ما نعرفه، بل وعلى ثقهٍ به، أنّ ليبيا التي “تحرّرت” بغارات حِلف “الناتو”، باتت لعنَتها تُطارِد هذا الحِلف، وتُمزّق صُفوفه، بل وتضعه في حالةِ موتٍ سريريٍّ في غُرفة العِناية المركّزة.. واللُه يُمهِل ولا يُهمِل.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية