لقاء عبّاس غانتس مُؤامرةٌ لإجهاض الانتِفاضة وحِماية لجرائم المُستوطنين.. لماذا نُحَمِّل حركة “حماس” ومُعظم الفصائل الأُخرى مسؤوليّة هذا الاختِراق الخطير؟
اللّقاء المُفاجِئ بين الجنرال بيني غانتس وزير الأمن الإسرائيلي ورئيس السّلطة الفِلسطينيّة محمود عبّاس جاء انعكاسًا لحالة الرّعب التي تسود دولة الاحتِلال حاليًّا من جرّاء تصاعد الانتِفاضة المُسلّحة في الضفّة الغربيّة، وخاصَّةً في الشّمال الفِلسطيني المُحتل، وللبحث عن مخرجٍ من هذا التّهديد الوجودي للرّجلين ومُؤسّستيهما.
هذا اللّقاء عبارة عن “مُذكّرة جلب” أصدرها المُحتل لرئيس سُلطته في رام الله من أجل وضع خطّة مُشتركة لتجنيده 60 ألف رجل أمن “فِلسطيني” بأسرعِ وقتٍ مُمكن، قبل أن تتوسّع دائرتها وتشمل جميع أراضي الضفّة والمُقابل مُساعدة عاجلة بمِئة مِليون شيكل (32 مِليون دولار) تحت مُسمّى مدفوعات ضريبيّة، وتسوية أوضاع 6000 فِلسطيني في الضفّة (منحهم رقم وطني) و3500 في قِطاع غزّة، و600 تصريح آخَر لكِبار رجال أعمال السّلطة، و500 تصريح آخَر لسيّاراتها ورِجالها، وفوق ذلك عشَرات البطاقات “VIP”، أيّ تطبيقًا للمثل الذي يقول “من دهنه سقيله”.
الجِنرال غانتس الذي انعقد اللّقاء الذي استمرّ ثلاث ساعات في بيته قال في تغريدةٍ له على حسابه في “التويتر” إنه وضيفه “ناقشَا تعزيز التّنسيق الأمني، أيّ إجهاض الانتِفاضة، وتصعيد القمع ضدّ مُناضليها ومُجاهديها، ومنع الإرهاب، والعُنف من أجل رفاهيّة الإسرائيليين والفِلسطينيين على حَدٍّ سواء”.
أيّ رفاهيّة هذه للفِلسطينيين التي يتحدّث عنها غانتس ويُقرّها عبّاس؟ قتل الأبرياء العُزّل، وتدمير بُيوت الشّرفاء المُناضلين وتشريد عائلاتهم، ونزْع مُلكيّة منازل أهل سلوان وحي الشيخ جراح؟
هذا اللّقاء جاء توصيفًا دقيقًا لمكانة سُلطة رام الله ورئيسها ودورها الحقيقي وأسباب وجودها واستمرارها، أيّ التعاون الأمني، وبِما يحمي المُستوطنين ودولتهم، وكُل الاحاديث الأُخرى، وخاصّةً التي وردت على لسان السيّد حسين الشيخ “وزير” الشؤون المدنيّة عن فتح مسارات سياسيّة وبحث مسيرة السّلام مُجرّد تضليل وخِداع، وبيع الوهم.
نفتالي بينيت، رئيس الوزراء، أكّد هذه الحقيقة، أيّ حصر السّلطة في خندق التّواطؤ الأمني، وحِماية الاحتِلال ومُستوطنيه فقط، عندما رفض اللّقاء برئيس السّلطة، وأوكل هذه المهمّة لوزير أمنه، في رسالةٍ واضحة تقول أنتم مُجرّد عُملاء لنا، ولستم شُركاء، ودوركم حِمايتنا ومُستوطنينا وقمْع شعبكم وخاصَّةً “الإرهابيين” من بينهم، ولا تسوية أو حديث سياسي معكم.
حركة المُقاومة الإسلاميّة “حماس” ومُعظم الفصائل الأُخرى، التي أدانت بكلماتٍ إنشائيّة هذا اللقاء، تتحمّل المسؤوليّة الأكبر عن هذا الاختِراق الأمني الخطير، وأيّ إجهاض قادم للانتِفاضة المُسلّحة الوليدة التي يتصدّى رجالها بشجاعةٍ لجرائم المُستوطنين، واستطاعوا تضيع وتهريب بنادقهم الناريّة الرشّاشة، واستِخدامها في القدس المحتلّة ونابلس وجنين والخليل، ممّا أدّى إلى تغيير كُل المُعادلات وفرض قواعد اشتِباك جديدة.
نُحمّلهم المسؤوليّة لأنّهم هرعوا، وسيهرعون إلى القاهرة للإقامة في فنادقها الفاخرة لبضعة أيّام للحِوار مع السّلطة ومسؤوليها تحت عُنوان المُصالحة، وإنهاء الانقِسام، والرّضوخ لكُل إملاءات الرئيس عبّاس، هل تَذكُرون اجتِماعات بيروت ورام الله، هل نسيتم احتِفالاتكم بالقِيادة المُشتركة للمُقاومة الشعبيّة والبيان الأوّل؟
السّلطة ورئيسها يعرف كيف يتعاطى مع هؤلاء الأُمناء العامّين، أو مُعظمهم، سواءً بزيادة مُخصّصات فصائلهم، أو يُلقّمهم بعَددٍ من بطاقات الشخصيّات المُهمّة (VIP)، وسيّارات الدّفع الرّباعي المُصرّح لها بمُغادرة المعابر دُون إعاقة على الحواجز الأمنيّة الإسرائيليّة، وسيبعلون إداناتهم وتهديداتهم مثلما بلعوها أوّل وثاني وعاشِر مرّة.
نختم بالقول: ما هو الفرق بين “الإسلامي” منصور عباس الذي يقبل بدولة إسرائيل يهوديّة لا مكان للعرب فيها، وبين “الرئيس” محمود عبّاس الذي يُوفّر الحِماية لها ولمُستوطنيها مُقابل بضعة ملايين من الدّولارات، وبطاقات الـ”VIP”؟
هذه الصّفقة “الرّشوة” لن تَمُر، لأنّ أهل الرّباط في الضفّة، نساءً ورجالًا، كسَروا قُيود الذُّل والتبعيّة، واختاروا طريق الكرامة والعزّة ومُقاومة الاحتِلال ومُستوطنيه، بكُل الطُّرق والوسائل المشروعة، والعام الجديد سيكون مُختلفًا عن جميع أعوام الهوان السّابقة، وحافِلًا بالمُفاجآت السارّة للاحتِلال وعُملائه.
هذه الصّفقة “الرّشوة” لن تُطيل عُمر سُلطة رام الله، ولن تُحَقِّق الأمن والاستِقرار للاحتِلال، فمعركة “سيف القدس” وصواريخها التي عزلت الكيان عن العالم لـ11 يومًا، وجعلت الغالبيّة من المُستوطنين يُفكّرون بالرّحيل، ويبحثون عن الأمن لأطفالهم في بُلدانهم الأصليّة هي دليلنا الأبرز، وهاتُوا دليلكم.. والأيّام بيننا.
صحيفة رأي اليوم الالكترونية