لماذا أغلقت إسرائيل أجواء الجولان وأعلنت حالة التأهب بعد عدوانها الأخير على جنوب دمشق؟
تواصل الغارات الإسرائيلية في العمق السوري بات يشكل مصدر احراج لمحور المقاومة وقيادته، في أوساط أنصاره ومؤيديه في مختلف انحاء العالمين العربي والإسلامي، ليس لان هذه الغارات، وما تطلقه من صواريخ على اهداف سورية وايرانية لا يتم الرد عليها بطريقة فاعلة ورادعة، وانما أيضا لان عدم الرد أدى لانتقالها الى العمق الإيراني، واستهدافها منشآت نووية وبنى تحتية اقتصادية، واشعال حرائق، وحدوث اختراقات امنية خطيرة.
الصواريخ التي استهدفت شحنة أسلحة حديثة قرب مطار دمشق الدولي، قادمة من طهران مثلما أفادت معلومات غير رسمية مساء الاثنين، أدت الى استشهاد خمسة خبراء إيرانيين من بينهم احد عناصر “حزب الله” اللبناني، وهذا تطور غير مسبوق، من الصعب ان يمر دون رد، او هكذا يعتقد العديد من الخبراء العسكريين، من بينهم إسرائيليون.
الإسرائيليون اغلقوا المجال الجوي لهضبة الجولان، واعلنوا حالة التأهب في صفوف قواتهم تحسبا لرد انتقامي من قبل “حزب الله”، ربما يكون انطلاقا من جنوب لبنان، او حتى عبر الحدود السورية، باعتبار ان شهيد الحزب علي كامل محسن سقط في الأراضي السورية.
ندرك جيدا ان من أسباب تصاعد الهجمات العدوانية الإسرائيلية على اهداف سورية وايرانية، يأتي في اطار مخطط لجر محور المقاومة الى حرب موسعة تخدم الحملة الانتخابية للرئيس دونالد ترامب، وتخرج بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء إلاسرائيلي من ازماته الداخلية، والقانونية الشخصية المتفاقمة، ولكن خطورة عدم الرد على هذه الهجمات شجعت الجانبين الأمريكي والإسرائيلي على نقل الهجمات الى عمق الأراضي الإيرانية، وبشكل مكثف في الأيام والاسابيع الأخيرة، ووصلت احداها الى منشأة “نطنز” النووية، ومعامل انتاج صواريخ باليستية.
حالة التأهب التي أعلنتها السلطات الإسرائيلية في صفوف قواتها بعد هذه الغارة العدوانية جنوب دمشق، تعود الى ايمانها بأن “حزب الله” لن يتردد في الثأر لاستشهاد احد مقاتليه، وما اقدامه على نعيه، والاعتراف بارتقائه، الا تأكيدا على عزمه على الثأر، فالمعادلة التي اعلنها السيد حسن نصر الله في اكثر من خطاب بأن أي استشهاد لعناصره في هجمات إسرائيلية سيقابل بالرد في أي مكان، علاوة على كونها اختراقا لقواعد الاشتباك، حيث تجنبت القيادتين العسكرية والسياسية في دولة الاحتلال قتل عناصر للحزب، وآخرها هجوم طائرة مسيرة على سيارة دفع رباعي تقل أربعة من قيادات الحزب الميدانيين داخل الحدود السورية، واعطتهم فرصة لمغادرة السيارة قبل تدميرها.
“حزب الله” يتحلى بالصمت، ولم تصدر أي تصريحات من قيادته، او المتحدثين باسمه، تعليقا على هذا العدوان الإسرائيلي، ربما لأنه يريد ان يأتي رده عمليا، وليس كلاميا، وبعد التشاور والتنسيق مع شركائه في محور المقاومة، حتى يكون مختلفا وربما اكثر قوة وتأثيرا من الردود السابقة.
الامر الآخر الذي يوحي باحتمالات حدوث ردع “للعدوانات” الإسرائيلية والأمريكية على ايران ما ورد على لسان السيد علي خامنئي، المرشد العام للثورة الإيرانية اثناء استقباله لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي امس عندما ذكّر ضيفه بأن اغتيال الحاج قاسم سليماني ورفاقه جرى على ارض العراق، ومن قبل العدو الأمريكي، وان ايران ستثأر لدمائه، الامر الذي فسره الكثيرون بأنه قد يأتي باستهداف قوات أمريكية على ارض مسرح الجريمة، أي العراق.
هناك مثل عربي يقول ان “السكين وصل الى العظم”، بمعنى ان الصمت لم يعد مجديا ولا بد من الرد دفاعا عن النفس، وهو دفاع تشرعه كل القوانين والشرعيات الوضعية والربانية.
الأيام والاسابيع المقبلة ربما تكون أسابيع المواجهة والرد على هذه الاستفزازات الإسرائيلية الامريكية التي تراهن على صمت الطرف الآخر، وهذه ليست “تمنيات” بقدر ما هي قراءة للواقع ولما بين سطور ردود الفعل، لان هذه الهجمات العدوانية تأتي في اطار مخططات التجويع لاذلال الشعوب ودفعها الى الثورة لتغيير الأنظمة او تأييد أي تدخلات خارجية لإنجاز هذه المهمة مثلما حدث في العراق قبل الغزو، ولا نعتقد ان قيادات محور المقاومة ليست على دراية ووعي بمثل هذه المخططات “الشيطانية”.. والله اعلم.
صحيفة رأي اليوم الالكترونية