لماذا اختفت الطيور المهاجرة من أكبر بحيرات مصر؟
ساعات قليلة تفصل بين العاصمة المصرية القاهرة وأكبر بحيرة طبيعية على أراضيها، تطل على 4 محافظات وتتصل بقناة السويس، وهي بحيرة المنزلة، التي تشهد عمليات تطوير وإعادة التأهيل كان لها تأثيرات سلبية على الطيور البرية المهاجرة.
وتتميز بحيرة المنزلة حسب ما ذكر صيادون لموقع “سكاي نيوز عربية” بجذب أعداد هائلة من الطيور المهاجرة، منها البط البري القادم من شمال أوروبا هربا من البرد، لتقضي الشتاء في مصر بالبحيرات المصرية وتعود في الربيع، ومنها ما يستوطن البحيرات طوال العام، موضحين أن هذه الطيور تأثرت وانخفضت بصورة كبيرة بسبب عمليات تطوير البحيرة التي لم تأخذ ذلك في الحسبان.
نقيب صيادي بحيرة المنزلة، زكريا رجب، قال إن أعمال التطهير الجارية تسببت في إزالة “البوص والغاب” الموجود على أطراف البحيرة والجزر ما تسبب في عدم وجود مقومات الحياة للطيور المهاجرة التي كانت منتشرة منذ مئات السنين.
رجب صاحب الـ 56 عاما ويعمل بمهنة الصيد بالبحيرة منذ كان عمره 5 سنوات، أضاف أن الغاب والبوص تعد أماكن سكن الطيور وتكاثرها، وبعد إزالتها أصبحت أعداد الطيور قليلة للغاية الحكومة المصرية كانت قد بدأت في عام 2016 مشروعًا قوميًا لتطوير البحيرات بتكلفة 100 مليار جنيه وجاءت “المنزلة” على رأس هذه البحيرات، وتُعرف تاريخيًا باسم “بحيرة تنيس” وتعد من أهم مقومات الثروة السمكية الطبيعية لتوافر المواد الغذائية الطبيعية واعتدال المناخ طوال العام وكانت تنتج ما يقرب من 48 بالمئة من إنتاج البحيرات الطبيعية من الأسماك في مصر.
وأوضح زكريا أنه بالإضافة إلى عمليات إزالة “الهيش والبوص والغاب” هناك أيضا 5 طرق تتخلل البحيرة تسببت في عدم استقرار الطيور في تلك المناطق لوجود حركة مستمرة واعتبارها غير آمنة، مشيرا إلى أن بعض هذه الطيور تتغذى على السمك وأخرى على جذور النباتات أو على طعام عصافير الزينة، لافتًا إلى أن الملك فاروق وآخرين من كبار المسئولين كانوا ينظمون رحلات صيد للطيور المهاجرة في البحيرة، لكن هذه الرحلات توقفت منذ سنوات واقتصرت على الصيادين.
وحسب وحدة الطيور في اتفاقية الأمم المتحدة للأنواع المهاجرة، فإن الطيور المهاجرة توفر خدمات هامة جدا للنظام الإيكولوجي للبشرية، وحمايتها ينبغي ألّا تكون لأسباب جمالية أو ترفيهية فقط، إنما لأنها جزء من النظام الإيكولوجي، فمن خلال حماية الطيور يحمي البشر مستقبلهم.
ويقول الأستاذ بمركز البحوث الزراعية، معاطى قشطة، إن الطيور المهاجرة كانت تبني أعشاشها فى حشائش الغاب والبردي الموجودة داخل البحيرة، إلا أن حملة الحكومة للتطهير أزالتها ولم يبق ملجأ لهذه الطيور فهربت من البحيرة.
ويضيف قشطة، وهو أحد المدافعين عن حماية حقوق طيور بحيرة المنزلة، لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن القضاء على المناطق الضحلة القليلة التي كانت تأتى إليها الطيور المستوطنة والمهاجرة للتغذية وإزالة الحشائش التي كانت تبنى بها الطيور أعشاشها للتكاثر تسبب في هجرة الطيور من البحيرة لأول مرة فى تاريخها وأوضح أن الطيور البرية المستوطنة هي التي تبني أعشاشها بالبحيرة داخل الحشائش وعددها أكثر من 20 نوعا، أما الطيور المهاجرة كانت تحتمي بتلك الجزر من الحشائش ولا يقل عدده عن 40 نوعا، مؤكدا أن هناك أضرار بالغة على النظام البيئي، بالإضافة إلى تضرر مئات الصيادين الذين يعيشون بالبحيرة ويعتمدون على صيد هذه الطيور.
هناك عشرات الأنواع من الطيور البرية حسب ما أكد زكريا رجب، تنقسم ما بين مستوطنة مثل “الديوك والمستكاوي واللكيش والبلبول والشطرف والخضاري والحمراي والزرقاي والشرشير ودجاج الماء أو الغر، وكبيرة مهاجرة مثل “البجع والبلشون والكرك”، وعدد من الأنواع الصغيرة أو العصافير مثل “الغطاس والبعكيك والغرنوق ولفت إلى أنه تقدم بخطة للجهات المسؤولة حذر فيها من تعميق المناطق الضحلة وإزالة جزر الحشائش بصورة كاملة وضرورة ترك 20 بالمئة من هذه الحشائش للحفاظ على الطيور لكن لم يتم الاستجابة له في النهاية وتمت إزالتها بالكامل.
ووفقا لبيانات برنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن غالبية الطيور تهاجر من مناطق التكاثر الشمالية إلى الجنوب في فصل الشتاء، لكن بعضها تولد في الأجزاء الجنوبية من إفريقيا وتهاجر إلى مناطق الشتاء الشمالية، أو بحذاء خطوط العرض للتمتع بالمناخ الساحلي الأكثر اعتدالا في فصل الشتاء إلى ذلك، يشير أستاذ الحياة البرية، عمر تمام، إلى أن هذه الطيور لها مسيرتين في الهجرة، الأولى جبال البحر الأحمر ثم إلى أفريقيا، والمجموعة الثانية أنواع من البط والعصفوريات والطيور البرية تدخل عن طريق منطقة الزرانيق بالعريش في شمال سيناء وتنتشر في مصر خاصة في دمياط وبورسعيد ثم تستمر بعد ذلك في الهجرة.
وبشأن فوائد هذه الطيور، قال في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن بعضها تأكل كميات كبيرة من الحشرات ما يقلل من عمليات استخدام المبيدات وبعضها يؤكل أيضا مثل العصفوريات والبط والبط المهاجر، خاصة في محافظة دمياط، حيث تعتبر وجبات أساسية في فترة الهجرة، لكن أضرارها فقط تقتصر على أنها وسيلة لنقل الأمراض في بعض الأحيان.
ولفت إلى وجود 570 نوعا في مصر منها حوالي 300 نوع طيور مهاجرة والباقي طيور مقيمة، مضيفا أن بعض الطيور المهاجرة تتحول إلى مقيمة مثل أنواع الهدهد وعصافير الجنة والدقناش.
ويحيي برنامج الأمم المتحدة للبيئة، يوم 10 مايو من كل عام، “اليوم العالمي للطيور المهاجرة” لتسليط الضوء على الحاجة إلى الحفاظ على الطيور المهاجرة وموائلها من أجل كوكب صحي للطيور المهاجرة والناس.
وعلى عكس ذلك، يرى مدير عام بحيرة المنزلة، مجدي زاهر، أن الطيور المهاجرة والبرية لم تختف من البحيرة بسبب عمليات التطوير وإزالة الغاب والحشائش، موضحا أنها لا تزال موجودة وتأتي لقضاء موسم الشتاء ثم تهاجر في بداية العام وأشهرها الغر والشرشير والبط والشهرمان والبلبول، وجميعها تؤكل ويتم صيدها بالغزل وبيعها بأسعار مرتفعة.
وأوضح أن مشروع تطوير البحيرة نجح في إزالة التعديات على آلاف الأفدنة ومنع أعمال إجرامية كانت تمارس بالبحيرة قبل إزالة الحشائش والغاب، بالإضافة إلى تنوع في الأسماك من “لوط وقاروص ودنيس وجمبري وبوري وكابوريا”.
ولم يختلف مدير بحيرة المنزلة بشأن النقص الكبير في أعداد الطيور المهاجرة مقارنة بالسنوات السابقة، مرجعا ذلك إلى وجود عمليات صيد كبيرة بالغزل لها من قبل الصيادين، مؤكدا توفير جميع أنواع الغابات للطيور بالإضافة إلى أنها تحب الأماكن المفتوحة للمياه لأنها تتغذى على السمك الصغير.
سكاي نيوز