لماذا الأوكسجين السوري “مَذمومٌ” في لبنان؟ وهل التّحذير الروسي من تَهديدٍ بغزوٍ خارجيّ مُبرّر؟ ومن هي الجهة التي يُمكن أن تُقدِم عليه وما هِي ذريعتها؟

 

بينما يَذرِف مُعظم سُفراء الدول العربيّة والأجنبيّة، إن لم يكُن كلهم، دُموع التّماسيح على الوضع المأساوي اللبناني الرّاهن، ويُسهِبون في توجيه النّصائح إلى رُموز النّخبة السياسيّة اللبنانيّة بضرورة التّسريع بتشكيل حُكومة، وتقديم التّنازلات المطلوبة، تُبادر الدولة السوريّة بالتّجاوب مع أنين المرضى اللّبنانيين بوباء الكورونا، وتُرسِل 75 طنًّا من الأوكسجين إلى لبنان تلبيةً لنداء وزير الصحّة، لإنقاذ حياة الآلاف، بعد أن أوشك مخزون البلد على النّفاذ، ووجود أكثر من ألف مريض على أجهزة التنفّس الصّناعي مُهَدَّدين بالموت.

لم نسمع كلمة شُكر واحدة لهذا الموقف الأخوي الإنساني لا من رئيس الحكومة اللبنانيّة المُكلّف ولا من زميله المُستقيل، والأخطر من ذلك، أنّ بعض الحاقدين والطّائفيين في النخبة السياسيّة اللبنانيّة قابلوا هذه “الهبّة” الإنسانيّة العُروبيّة الأخويّة بالسّخرية، وطلبوا رفضها، وصعّدوا من لهجتهم الهُجوميّة على اللّاجئين السوريين في لبنان، الذين لا ذنب لهم إلا كونهم سوريين.

لن نخوض في الوضع الدّاخلي اللبناني وتعقيدات أزَماته، فأصحاب الفتاوى السياسيّة، وما أكثرهم، لم يتركوا لنا مساحةً، ولم يتوقّفوا عن إصدار الفتاوى والإسهاب في التّشخيص وتوزيع اللّوم والاتّهامات واقتِراح الحُلول، ولكن ما نوَد أن نلفت النّظر إليه، هو تحذير أطلقته صحيفة “نيزافيسيما غازيتا” الروسيّة في مقالٍ افتتاحيّ “من أنّ لبنان باتَ مُهَدَّدًا بغزوٍ خارجيّ”، وجاء التّحذير بعد زيارة وفد من “حزب الله” لموسكو الأسبوع الماضي برئاسة الحاج محمد رعد، رئيس كُتلة الوفاء للمُقاومة في البرلمان، والتَقى بسيرغي لافروف، وزير الخارجيّة، وعددًا من المسؤولين الروس”.

الصّحافة الروسيّة لا تُطلِق التّحذيرات جُزافًا، وغالبًا ما تستند في مواقفها في الأزمات الخارجيّة إلى تسريباتٍ من مصادر رسميّة، ولهذا يحب أخذ تحذيرها هذا على محمل الجد في ظِل انهِيار الأوضاع الاقتصاديّة في لبنان، وفشل “لقاء القمّة” بين الرئيس ميشال عون ورئيس الوزراء المُكلّف سعد الحريري في التّوصّل إلى اتّفاقٍ حول تشكيل الحُكومة، وتصاعد الحرب الكلاميّة بين الرّجلين بعد هذا الفشَل.

الصّحيفة الروسيّة لم تُحدّد الجهة التي يُمكن أن تقوم بغزو لبنان، ولكنّ إشارتها إلى زيارة الجِنرال كينيث ماكينزي قائد القيادة المركزيّة الأمريكيّة الوسطى ولقائه مع قادة الجيش اللبناني، ووصفها، أيّ الزيارة، بأنّها “مُقْلِقَة جدًّا” تُوجّه أصابع الاتّهام إلى الولايات المتحدة وحُلفائها.

الانهِيار الاقتصادي، ووصول قيمة العملة اللبنانيّة إلى 15 ألف ليرة مُقابل الدولار، والارتِفاع الباهظ في أسعار المواد الغذائيّة، وانهِيار الخدمات العامّة، والصحيّة خُصوصًا، كلّها أدوات ضغط أمريكيّة إسرائيليّة بأيدي محليّة، لتفجير لبنان، ودفعه إلى الفوضى، وإشعال فتيل الحرب الأهليّة.

الغزو الخارجي يَستَهدِف بالدّرجة الأولى سِلاح المُقاومة، و”حزب الله” تحديدًا، وليس إنقاذ الشّعب اللبناني من أزَماته، فمتى كانت أمريكا وإسرائيل تَحرِصان على الشّعب اللبناني وأمنه واستقراره ومصالحه، وهُما اللّتان ارتكبتا المجازر في حقّه، واحتِلال أرضه، وانتِهاك سيادته، ووقفتنا خلف الحرب الأهليّة الأولى تسليحًا وتمويلًا للجهة التي أشعلت فتيلها.

القادة السياسيّون في لبنان يرقصون على حافّة الهاوية حسب مارتن لوغرين، السّفير البريطاني في بيروت في أحد تغريداته، وهذا توصيفٌ دقيق، ولكن ما يُمكن أن نُضيفه إليه، هو أنّه كان عليه أن يُميّز بين هؤلاء القادة الذين يَقِفون في الخندق الإسرائيلي ومُؤامراته لزعزعة لبنان وأمنه واستِقراره وسِيادته بتَحريضٍ خارجيّ، وبين القادة الآخرين الذين يَقِفون في خندق عُروبة لبنان وقدّموا التّضحيات لتحرير أرضه، ويُوَظِّفون سِلاحهم الرّادع في خدمة عزّته وكرامته واستِقلاله الحقيقي.

 

 

صحيفة راي اليوم الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى