لماذا نعتقد أنّ إغلاق بوتين للوكالة اليهوديّة ليس ردًّا كافيًا
القرار الذي اتّخذته وزارة العدل الروسيّة بإغلاق الوكالة اليهوديّة للهجرة ربّما يكون إجراءً عِقابيًّا ردًّا على موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي يائير لبيد الذي أدان مُنذ اليوم الأوّل “للغزو” الروسي لأوكرانيا عندما كان وزيرًا للخارجيّة، وطالب بوقوف إسرائيل في خندق الحليف الأمريكي، ودعم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالأسلحة والمعدّات العسكريّة المُتطوّرة، ولكنّه في رأينا يأتي ردًّا غير كاف، بالمُقارنة بحجم هذه الطّعنة الإسرائيليّة في ظهر الحليف الروسي الذي وقف دائمًا في الخندق الإسرائيلي في قضايا عديدة، خاصَّةً في سورية.
الحُكومة الإسرائيليّة التي يتزعّمها حاليًّا لبيد لم تُخْفِ دعمها مُطلقًا للحُكومة الأوكرانيّة سياسيًّا وعسكريًّا، وأرسلت مِئات المُتطوّعين العسكريين الإسرائيليين للقِتال إلى جانب المُرتزقة، ومُعظم هؤلاء من الكوادر العُليا المُتقاعدة، سواءً في الجيش أو الأجهزة الأمنيّة الإسرائيليّة، ووظّفوا خُبراتهم في مُواجهة القوّات الروسيّة، ممّا ساعد في إلحاقِ خسائر كبيرة في صُفوفها.
***
الوكالة اليهوديّة للهجرة تتمتّع بنُفوذٍ قويّ في روسيا على مدى أكثر من ربع قرن، ولعبت دورًا كبيرًا في تهجير ما يَقرُب من المِليون يهودي روسي إلى دولة الاحتِلال، مُستَغِلَّةً مرحلة انهِيار الاتّحاد السوفييتي وتداعياتها الاقتصاديّة الحَرِجَة، ومُعظم هؤلاء من أصحاب المُؤهّلات والخبرة المهنيّة العالية، الأمر الذي عزّز دولة الاحتلال، وألحق ضررًا كبيرًا بالدّولة الأُم، أيّ روسيا.
قرار محكمة العدل الروسيّة بحلّ الوكالة ووقف عملها في روسيا قرارٌ غير مُستغرب، ويعكس غضب القِيادة من نُكران الجميل والمواقف العدائيّة الإسرائيليّة الرسميّة، وربّما الشعبيّة أيضًا لروسيا، ومن غير المُستَبعد أن يكون خطوة أولى من سلسلة عُقوبات أُخرى قادمة.
وجود مِليون يهودي من أصلٍ روسيّ في “إسرائيل” يُعتبر ورقة ضغط قويّة في يد القِيادة الروسيّة، خاصَّةً أن نِصف هؤلاء على الأقل مَشكوكٌ في مصداقيّته هُويّته وديانته اليهوديّة، وهاجر مُعظمهم إلى فِلسطين المُحتلّة لأسبابٍ اقتصاديّة، أو بهدف استخدامها كمحطّةٍ للهجرة إلى الولايات المتحدة أو دول أوروبيّة أُخرى، ويتعرّض بعضهم لمُضايقاتٍ كبيرة من قِبَل الأجهزة الإسرائيليّة.
الوكالة اليهوديّة كانت تتمتّع بنُفوذٍ كبير في موسكو، وتتصرّف بثقةٍ كما لو كانت فوق القوانين المُتّبعة، وتحظى بدعمٍ كبير من رجال أعمال يهود روس كِبار في البلاد، ولهذا كان ردّ الفِعل الإسرائيلي على إغلاقها استفزازيًّا، خاصَّةً من قِبَل وزير الشّتات الإسرائيلي الذي قال في تغريدةٍ له على “تويتر” إنّ مُحاسبة الوكالة اليهوديّة على موقف إسرائيل من الحرب الأوكرانيّة أمْرٌ مُؤسِفٌ ومُهين”، وأضاف “لن يتم اتّخاذ اليهود الروس كرهائن للحرب الأوكرانيّة، وفصلهم عن عُلاقتهم التاريخيّة والعاطفيّة بدولة إسرائيل”.
نعم هذا الرّد الروسي على الخُذلان الإسرائيلي لموسكو، والرئيس بوتين تحديدًا، ليس كافيًا، خاصَّةً أنّه صدر اليوم، وبعد ساعاتٍ من غارةٍ إسرائيليّة أُخرى على دِمشق أدّت إلى استشهاد ثلاثة جُنود واصابة سبعة آخرين، وقبلها بأيّام قصفت الطّائرات الإسرائيليّة قسم الحاويات في ميناء اللاذقيّة الذي لا يَبْعُد إلا بضعة كيلومترات عن قاعدة حميميم الجويّة الروسيّة.
سورية كانت وما زالت من أكثر حُلفاء روسيا وفاءً وإخلاصًا، ومن أوائل الدّول التي أيّدت الاجتِياح الروسي لأوكرانيا، واعترفت بالدّولتين المُستقلّتين في جنوب شرقها (دونساك)، ووقفت إيران التي يستشهد خُبراؤها وجُنودها في بعض هذه الغارات الموقف نفسه تقريبًا، وزادت على ذلك “ببيعها” مِئات الطّائرات المُسيّرة للجيش الروسي، وتعهّدت في قمّة طِهران الثلاثيّة بمُضاعفة التّبادل التّجاري مع موسكو ثلاثة أضعاف، أيّ حواليّ 30 مِليار دولار في الأشهر والسّنوات القليلة القادمة كَسْرًا للعُقوبات الأمريكيّة، فماذا قدّمت “إسرائيل” لروسيا غير الوقوف في خندق الجيش الأوكراني؟
***
ما زلنا نأمل أن تتّخذ روسيا موقفًا قويًّا يَضُعُ حدًّا لهذا العُدوان الإسرائيلي المُستمر مُنذ سنوات على سورية، سواءً بالتصدّي المُباشر للطّائرات الإسرائيليّة المُغيرة وصواريخها، أو بإعطاء الضُّوء الأخضر للجيش العربي السوري باستِخدام منظومات صواريخ “إس 300” الدفاعيّة مثلما وعدت القِيادة الروسيّة بذلك أكثر من مرّة، لأنّه يأتي في إطارِ حقّ الدّفاع عن النّفس المشروع في كُلّ القوانين الدوليّة.
مُعظم العرب يقفون حاليًّا في الخندق الروسي في حرب أوكرانيا التي أشعلت فتيلها الولايات المتحدة، واستخدامها كمِصيدة فاشلة لاستنزاف روسيا عسكريًّا وسياسيًّا، فلولا التِزام الدّول العربيّة المُنتجة للنّفط، وخاصَّةً المملكة العربيّة السعوديّة، أكبر مُصَدِّر للطّاقة في العالم، باتّفاق “أوبك بلس” ورفض الاستِجداءات الأمريكيّة بزيادة الإنتاج لخفض الأسعار، لتعرّض الاقتِصاد الروسي لأزماتٍ خانقة، ولأصبح سِعر العُملة الروسيّة أكثر من 200 روبل مُقابل الدّولار.. واللُه أعلم.