لماذا وَجّهت إيران سُفُنَهَا العسكرية إلى شواطئ أميركا؟ ( ناجي س. البستاني)
ناجي س. البستاني
كشف قائد أسطول الشمال الإيراني الأدميرال أفشين رضائي أنّ أسطولاً بحرياً إيرانياً سيصل قريباً إلى المحيط الأطلسي على أن يرسو في مواقع قريبة من الحدود البحرية الإقليميّة للولايات المتحدة الأميركية. وقال إنّ الخطوة تندرج في إطار الردّ على تحرّك السفن الحربيّة الأميركية بالقرب من الحدود البحرية الإقليميّة الإيرانية. فهل يمكن أن يحدث إحتكاك عسكري بين الجانبين، أم أنّ الأمر مجرّد رسالة إيرانية؟ وإذا كانت كذلك ما هو فحواها؟
بداية، الأكيد أنّ المسألة لا تتعدّى كونها رسالة إعلامية-سياسيّة من طهران إلى واشنطن، لأنّ حجم الأسطول الذي تمّ توجيهه نحو الولايات المتحدة الأميركية صغير ويتكوّن أساساً من حاملة طوّافات ومن مدمّرة ومن سفينة إمداد مع عدد من القطع البحريّة المرافقة، وهو غير قادر بالتالي على الدخول بأيّ معركة عسكرية فعليّة مع القوات الأميركية، كما أنّ البحرية الإيرانية، وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلتها قيادتها في السنوات القليلة الماضية، لجهة تحديث سُفنها والصواريخ التي تحملها وضمّ ثلاث غوّاصات إليها، لا تزال تُعتبر الجزء الأضعف للجيش الإيراني مقارنة بالقوّة الكبيرة للوحدات البرّية والصاروخيّة والجويّة. أكثر من ذلك، إنّ الأسطول الإيراني الذي توجّه نحو الشواطئ الأميركية إنطلاقاً من إيران عبر مياه المحيط الهندي، في طريق طويل يلتفّ خلاله حول القارة الإفريقية، وتحديداً دولة جنوب إفريقيا، للتوجّه صعوداً نحو المحيط الأطلسي قبالة الحدود البحرية الإقليمية للولايات المتحدة الأميركية، يفتقر عملياً لأيّ دعم لوجستي خصوصًا في ظلّ غياب القواعد العسكرية الإيرانية، بعكس ما هي حال السفن البحرية الأميركية قبالة الشواطئ الإيرانية، والتي تستفيد من قواعد بحريّة عسكريّة عدّة، الأكثر قرباً من إيران بينها، تقع في البحرين حيث يتمركز الأسطول البحري الأميركي الخامس.
وبالتالي، إنّ الخطوة الإيرانية لا تتعدّى كونها رسالة تحاول خلالها طهران لعب دور متوازن مع واشنطن، وهي محاولة لإظهار عدم خوف إيران من التحركات العسكرية الأميركية في مياه الخليج، وعدم أخذها كل تهديدات المسؤولين الأميركيّين بحقّها على محمل الجدّ. في المقابل، قلّل المسؤولون الأميركيّون من أهمّية الخطوة الإيرانية، معتبرين أنّها إعلامية حيث لم تترافق حتى الساعة مع أيّ تهديد فعلي لأيّ من السواحل الأميركية، ومذكّرين بأنّ إيران سبق لها أن قامت في العام 2011، بالإعلان عن إرسال سفن نحو أميركا، من دون أن تُنفّذ ذلك ميدانياً. ولفت هؤلاء إلى أنّ حركة السفن في البحار مفتوحة أمام الجميع، بشرط عدم تعريض أمن أيّ دولة أو أمن سفن أخرى للخطر. وقالوا إنّ إيران تعلم ذلك، وإنّها لن تفاجأ إذا وجدت في المحيط الأطلسي عشرات السفن الحربيّة لدول أخرى.
في كل الأحوال، وبعيداً عن تصاريح التحدّي الإعلاميّة، والإستعراضات العسكرية لكل من الإيرانيّين والأميركيّين، لا بد من الإشارة إلى أنّ محور شدّ الحبال بين الجانبين يتركّز على مسألة المفاوضات المستمرة بين إيران والدول الغربية الكبرى. فطهران تعلم أنّ عليها تقديم تنازلات في ملفّ برنامجها النووي، وهي ترفض أن تكون هذه التنازلات المُفترضة في مقابل عودتها إلى المجتمع الدولي أو في مقابل رفع الحظر الإقتصادي والمالي الذي كان مفروضاً عليها. فالقيادة الإيرانية تعتبر أنّ رفع كلّ الإجراءات التي كانت متّخذة بحقّها هي مسألة بديهيّة، وتطالب أن تكون المكاسب في مقابل تنازلاتها في الملف النووي، موزّعة على ملفّات المنطقة. بمعنى آخر، ترغب إيران بمبادلة تنازلها عن حق إمتلاك برنامج نووي متطوّر، بمكاسب ميدانية في العديد من ملفّات منطقة الشرق الأوسط الشائكة، ومنها بطبيعة الحال الملفّ السوري.
في المقابل، تضغط واشنطن لمنع طهران من تحقيق هذا الأمر، وقد أعلن وزير الخارجية الأميركية جون كيري في الساعات الماضية، أنّ واشنطن لن تدخل بأيّ مفاوضات مع طهران بشأن الأزمة السورية وغيرها من قضايا منطقة الشرق الأوسط، قبل التوصّل لحلّ للملفّ النووي الإيراني. وبذلك، أكّد كيري الموقف الأميركي الذي يخشى من نجاح إيران في زيادة نفوذها أكثر فأكثر في المنطقة، عن طريق مبادلة كل تنازل مُنتظر في ملفّها النووي بمكسب في أحد ملفّات الشرق الأوسط المتعدّدة.
وليس سرّاً أنّ إيران تعتبر نفسها حالياً بموقع المفاوض القوي، بينما أميركا التي حاولت محاصرتها عبر نشر جيشها في محيط حدودها، وعبر ضرب حلفائها في المنطقة، في موقع المفاوض الضعيف. فالجيش الأميركي إنسحب من العراق، وهو على طريق الإنسحاب من أفغانستان. والإدارة الأميركية فشلت بإسقاط حلفاء إيران، خاصة النظام السوري، وعلاقاتها ليست في أفضل أحوالها مع المملكة العربيّة السعودية، الدولة الوحيدة التي تتمتّع بثقل إقليمي في وجه إيران.
ولا شكّ، في الختام، أنّ الإعلان الإيراني عن حركة عسكرية بحريّة موجّهة نحو الشواطئ الأميركية ما هو إلا دليل جديد على شعور الثقة المتزايد الذي تشعر به القيادة الإيرانيّة حالياً، ومحاولة لتعزيز شروط التفاوض مع الإدارة الأميركيّة التي تمرّ حالياً بإرباك عميق، نتيجة رغبتها الأكيدة بوقف تمدّد النفوذ الإيراني السياسي والعسكري في الشرق الأوسط، في ظلّ وجودها الإضطراري في الموقع نفسه مع إيران ضد "عدوّ مشترك واحد" يتمثّل بالإسلاميّين المُتشدّدين الذين لاحقوا الجيش الأميركي بالتفجيرات في العراق وأفغانستان، قبل أن يتحوّلوا حالياً إلى ملاحقة حلفاء إيران في سوريا ولبنان، وهذا التناقض في المصالح الأميركية أدخل واشنطن في حال من العجز على الحركة الفاعلة في الشرق الأوسط، زادت من وطأتها شخصيّة الرئيس باراك أوباما المتردّدة وغير الحازمة، ورفض الشعب الأميركي الإستمرار بسياسة الإنخراط بحروب وبمشاكل عالمية لا تعنيه في الوقت الذي يعاني الإقتصادي الأميركي من خلل كبير.