لماذا يفشل الرؤساء وكيف يستطيعون النجاح مجددا؟
عرض: رغدة البهي*
Elaine Kamarck,Why Presidents Fail and How They Can Succeed Again? (Washington، D.C.: Brookings Institution Press, 2016)
تتناول إلين كامارك، الخبيرة في الانتخابات الأمريكية، زميلة برنامج دراسات الحكم، مدير مركز الإدارة الفعالة في معهد بروكنجز، في مؤلفها هذا مظاهر إخفاق وفشل الرؤساء الأمريكيين ابتداء من حرب فيتنام، ثم المحاولة الأمريكية الفاشلة لإنقاذ الرهائن الدبلوماسيين الأمريكيين في إيران في عهد الرئيس الأسبق جيمي كارتر، مرورا بأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 في عهد جورج دبليو بوش، وانتهاء ببرنامج الرعاية الصحية في عهد باراك أوباما. ويرصد الكتاب أسباب فقدان الأمريكيين الثقة في رؤسائهم، وكيفية استعادتهم تلك الثقة مجددا.
عن أي فشل نتحدث؟
تنطلق المؤلفة في كتابها من اقتناع، مفاده أن فشل الرؤساء الأمريكيين كان هو القاعدة لفترة طويلة. وقد وصلت إلي هذا الاقتناع من خلال دراستها لاثنين من الرؤساء الديمقراطيين، هما: جيمي كارتر، وباراك أوباما، فضلا عن رئيس جمهوري واحد، هو جورج دبليو بوش. ومن ثم، لم تتطرق إلي رؤساء آخرين، مثل رونالد ريجان، أو بيل كلينتون إلا بالقدر اليسير. والفشل الرئاسي، من وجهة نظر المؤلفة، هو ذلك النابع من عدم الاهتمام بالإمكانات الحكومية، ومن الفجوة والمسافة الشاسعة بين الرئيس من ناحية، والحكومة الفيدرالية من ناحية أخري.
وتجادل “كامارك” بأن الرؤساء الأمريكيين يقضون كثيرا من الوقت في الحديث، وقليلا منه للحكم، مبتعدين بأنفسهم عن البيروقراطية الفيدرالية التي يفترض أن تنفذ السياسات. لذا، تري أن الحاجة تدعو إلي الرئيس “الإداري” عقب عقود من الرئاسيات “البلاغية” و”الإمبراطورية”، مشيرة إلي الصعوبات المهيمنة على المشهد السياسي الأمريكي الراهن، مستعينة بأمثلة وتوصيات، ليس فقط لكيفية استعادة الثقة في القيادة، ولكن أيضا لتأسيس إدارة ناجحة.
أسباب الفشل الرئاسي:
تعرض الأمريكيون لموجات من الفشل الرئاسي والحكومي، بدءا بالإذلال في فيتنام، مرورا بنكستي العراق وأفغانستان، والاستجابة الكارثية لإعصار كاترينا، والأزمة المالية المدمرة، والانهيار الاقتصادي، وصولا للتطبيق الفاشل للرعاية الصحية، واستمرار العجز الأمريكي في القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي بدأ تنفيذ هجماته في الدول الأوروبية، والولايات المتحدة أخيرا.
فليس مستغربا وجود شعور لدي الأمريكيين بأن الأمة الأمريكية تتهاوي على منحدر لا مفر منه، وأن الحكومة لا تستطيع أن تفعل شيئا. ففي استطلاع لمركز بيو في أوائل عام 2015، طلب من المواطنين، في سلسلة من الأسئلة المفتوحة، استخدام كلمة واحدة لوصف الرئيس باراك أوباما، وقد كان الوصف الأكثر شيوعا هو جيدا وغير كفء، على نحو يعكس فقدان الثقة في القيادة والحكومة من ناحية، ووجود أزمة كفاءة في الرئاسة الأمريكية من ناحية أخري.
تتساءل الكاتبة عن أسباب فشل الرؤساء، وتجادل بأن القيادة الرئاسية الناجحة تتطلب قدرة الرئيس على تحقيق التوازن بين ثلاث مهارات معا، هي: السياسة، والاتصالات، والتنفيذ. فيملك الرئيس الاستعانة بخبراء من مختلف الأطياف، وله الحق في توظيف عشرات الأشخاص ممن يصطلح على تسميتهم “البيروقراطية الفيدرالية” التي يفترض بها ترجمة الأحلام إلي سياسات. ورغم ذلك، يفشل الرؤساء في اختبارهم.
وتشير الكاتبة إلي ملاحظة عالم السياسة صموئيل كرنل عن الوقت الذي أمضاه الرؤساء المعاصرون في التحدث للجمهور، والسفر، والتنقل بين الدول، مما يعني وقتا أقل للعمل، وفشلا حكوميا. أو بعبارة أخري، فقد الرؤساء الأمريكيون التوازن المطلوب للقيادة الجيدة، وعليهم توظيف مهارات الحكم جنبا إلى جنب مع مهارات الحشد والتعبئة اللازمة للحملات الانتخابية. وأشارت إلى أنه قد حان الوقت للتركيز على ما سماه المحلل السياسي جيمس بيفنر “الرئاسة الإدارية” التي تتأسس على العلاقة الوطيدة بين الرئيس والبيروقراطية، والفهم العميق لقدرات الكيانات والأجهزة التابعة للحكومة الاتحادية.
ورغم بُعد الرؤساء عن الحكومات التي يرأسونها، فإنهم يتلقون اللوم دائما على إخفاقاتها. وإذا لم يتم انتخاب رؤساء قادرين على تعلم كيفية قيادة الحكومات، عوضا عن شعورهم بأنهم ضحاياها، فسيستمر الفشل. إذ يتحتم على الرؤساء فهم وتأسيس أبنية للإنذار المبكر في الحكومة التي يتضاعف حجمها، ويتعقد عملها، بالمقارنة بأي شركة من الشركات متعددة الجنسيات.
مظاهر فشل الرؤساء الأمريكيين:
تناولت المؤلفة في كتابها مظاهر فشل الرؤساء الأمريكيين، فتشير إلى تعدد مظاهر فشل الرئيس الأسبق جيمي كارتر، حتى كان انتخاب الرئيس رونالد ريجان في عام 1980 أمرا مفروغا منه، بعد أن عاني الاقتصاد الأمريكي مشكلات عدة، متمثلة في تزايد معدلات التضخم والبطالة في الآن ذاته، والتي على أثرها ولد مفهوم “الركود التضخمي”.، فضلا عن فشله في أزمة رهائن إيران. وعلى خلفيتها، شككت ست لجان حكومية رئيسية في قدرة الجيش على الاضطلاع بمهمة تتطلب تخطيطا وتعاونا واسع النطاق بين مختلف الأجهزة الحكومية. فقد رفض عدد من الرؤساء -بمن في ذلك كارتر- إصلاح المؤسسة العسكرية، الذي أجري في نهاية المطاف في عام 1986، عقب إقرار قانون جولدن – ووتر نيكولاس.
وعن إخفاقات إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش، أشارت المؤلفة إلى أن فريق سياسته الخارجية قد عاني فجوة ثقافية ناجمة عن الفارق بين خبرة الحرب الباردة وما بعدها. وعلى إثرها، عانت الولايات المتحدة من أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، ومن تنظيم “القاعدة”، كما عجزت عن إدراك الأدلة التي تنفي حيازة العراق لأسلحة الدمار الشامل، وكذا عن فهم آفاق الأزمة المالية العالمية.
ويعكس إعصار كاترينا أن التطبيق الفاعل للاستراتيجيات الصحيحة لا يقل أهمية عن وضعها. فعلى الرغم من نجاح إدارة بوش الابن في وضع استراتيجية جديدة لحالات الطوارئ في عالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر، فإن الفشل في دمج تلك الاستراتيجية في مستويات حكومية عدة أسفر عن استجابة كارثية للاعصار، على نحو يمكن معه وصف استراتيجية الطوارئ بأنها “استراتيجية رائعة ولكن بلا معني”، لأنه لم يتم تفعيلها لتلائم الكوارث الطبيعية، وليس الهجمات الإرهابية فقط.
ومن مظاهر فشل الرئيس باراك أوباما الانهيار المذهل لموقع HealthCare.gov الذي تخبط في تنفيذ مبادرة الرعاية الصحية. ويعود هذا الفشل، في جزء منه، إلى الخلل التنظيمي. فأعطيت مهمة بناء الموقع إلى مراكز الرعاية الصحية والخدمات الطبية، على نحو يفوق قدراتها، ومن خلال وضع الأشخاص غير المناسبين في الوظائف غير المناسبة، فضلا عن مظهر آخر للفشل، وهو ذلك الذي يتصل بعدم قدرة النظام الطبي على التعامل مع احتياجات قدامي المحاربين.
وختاما، على الرغم من تعدد أسباب الفشل الرئاسي، الذي لا يعود دائما لظروف خارجة عن إرادة الرؤساء، فإن الرئاسة الناجحة الفاعلة ليست مستحيلة، لكنها تحتاج إلى مزيد من الاهتمام بالأعمال الحكومية المعقدة، بعيدا عن الأضواء والإعلام.
* مدرس مساعد بقسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة
مجلة السياسة الدولية (تصدر عن مؤسسة الأهرام المصرية)